سعى المؤلف في هذا البحث المتواضع على حد قوله - إلى محاورة النص الرحلي الأندلسي ممثلاً برحلة القلصادي "بداية المجتهد" سردياً من خلال عنصر الفضاء، الذي يجسد البطولة الحقيقية في محكي الرحلة مهما كان نوعها، وهو عنصر يشد إليه باقي العناصر كلها ويلحم العوالم النصية بما يجعله بؤرة ما يسمى عادة بـمحكي السفر. ومع أن رحلة القلصادي لا تنفت...
قراءة الكل
سعى المؤلف في هذا البحث المتواضع على حد قوله - إلى محاورة النص الرحلي الأندلسي ممثلاً برحلة القلصادي "بداية المجتهد" سردياً من خلال عنصر الفضاء، الذي يجسد البطولة الحقيقية في محكي الرحلة مهما كان نوعها، وهو عنصر يشد إليه باقي العناصر كلها ويلحم العوالم النصية بما يجعله بؤرة ما يسمى عادة بـمحكي السفر. ومع أن رحلة القلصادي لا تنفتح على العجائبي ولا على المشاهدات التفصيلية، فإنها لا تخلو من مركزية للفضاء، الذي جاء متنوعا بين المقدس والعلمي والحميمي، فالأول يخص الأفضية الزيارية والحجية، والثاني يخص مقامات العلماء ومجالسهم، والثالث يهم أماكن إقامة الإخوان والأهل والأصدقاء.ويمكن القول، إن النص الرحلي لدى القلصادي، رغم طبيعته العلمية والدينية، هو نص فضاء بامتياز، ولا يمكنه إلا أن يكون كذلك، مهما تعددت دلالات ومضامين الرحلة، لأن الرحالة يجد نفسه مرغما على مجابهة سلطة المكان الذي يسير في رحابه، غير أن طبيعة الأهداف المرجوة من الرحلة تتحكم في وسم هذا الفضاء ورسم معالمه وخصائصه، فإذا كانت الغاية من الرحلة تحقيق التعلم ونيل الإجازات، غلب المكان العلمي من مجالس ومساجد وجوامع ومدارس، وإن كان القصد منها أداء الحج، سيطرت البقاع المقدسة والأماكن الدينية المعروفة، وإن كان الهدف هو الاستمتاع كثرت الأماكن السياحية، وهكذا يلبس الفضاء لون مقصد صاحبه. وتبعا لذلك غلبت على رحلة القلصادي الفضاءات العلمية والقدسية تماشيا مع سلطة التوجه العام لصاحب الرحلة، إذ تعددت المراكز والمجالس العلمية، مثلما كثر الحديث عن البقاع المقدسة في مكة والمدينة وغيرهما، سواء في رحلة الذهاب أو في رحلة الإياب. وكان الفضاء في كل مرحلة يتزيى بمشاعر الرحالة التي باتت تتحول وتتنوع وفق مسارات الزمن الرحلي وظروف السفر، راسما بذلك أناه المتصادية مع الآخر المتعدد.