لأعترف. لا أدري ما هو السبب. أهو العطر الذي وضعته والذي راح يبث حولي عالماً غامضاً كأنك تسير في غابة إفريقية والمطر يزخ وأنت عليك أن تحتمي بشجرة فارهة. كان علي أن أقترب منه أكثر وهو يحمل مظلة صغيرة. كاد رأسي يرتطم مرات بصدره ونحن نتزاحم تحت المظلة. عند ذلك لفحني عطره. تابعت السير وتابعت الصمت. عند الرصيف الضيق صارت خطواتنا أقرب....
قراءة الكل
لأعترف. لا أدري ما هو السبب. أهو العطر الذي وضعته والذي راح يبث حولي عالماً غامضاً كأنك تسير في غابة إفريقية والمطر يزخ وأنت عليك أن تحتمي بشجرة فارهة. كان علي أن أقترب منه أكثر وهو يحمل مظلة صغيرة. كاد رأسي يرتطم مرات بصدره ونحن نتزاحم تحت المظلة. عند ذلك لفحني عطره. تابعت السير وتابعت الصمت. عند الرصيف الضيق صارت خطواتنا أقرب. وصار صوتنا أكثر انخفاضاً. كنا غرباء. وكانت الحواجز عالية بيننا وحولنا. عندما ازداد هطول المطر بدأت الحواجز تنهار. المطر يحفر فير في الصمت ومساء واشنطن يهطل متعباً في حي جورج تاون. كل شئ بدأ ينهمر. البرد والعطر. ورق الخريف وورق الذكريات والحنين. وبصمت فتح باب التكسي. صعدت أولاً. لم يصعد في المقعد الأمامي بل صعد إلى جانبي. ابتعدت بهدوء إلى الطرف الآخر من المقعد وأنا ألملم معطفي على كتفي. لكن المعطف الأخضر انزلق. فراحت يده ترفع المعطف وتسترخي على كتفي قليلاً. تململت في مكاني وانكمشت فانسابت يده بعيداً. وعندما مررنا في غابة صغيرة وبدأت خيوط المطر تتقطع بين الأغصان. أعاد يده ثانية فوق ظهري. ثم أحاط خصري بصمت. شعرت أنني أسمع دقات قلبي. لكني استسلمت لشعور طاغ, جميل, دافئ.