نبذة النيل والفرات:عمل السيد أنثوني بارسونز سفير لبريطانيا في إيران إعتباراً من آذار 1974 وحتى نهاية كانون الثاني 1979 إذ غادرها بعد أيام قلائل من مغادرة الشاه وعائلته إلى منفاهم في مصر.لقد شهد بارسونز إنحسار السلطة البهلوية عن كثب من داخل قصر نياوران، حيث كان على علاقة طيبة بالشاه وكذلك شاهده في سفارته، وفي شوارع طهران المضطربة...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:عمل السيد أنثوني بارسونز سفير لبريطانيا في إيران إعتباراً من آذار 1974 وحتى نهاية كانون الثاني 1979 إذ غادرها بعد أيام قلائل من مغادرة الشاه وعائلته إلى منفاهم في مصر.لقد شهد بارسونز إنحسار السلطة البهلوية عن كثب من داخل قصر نياوران، حيث كان على علاقة طيبة بالشاه وكذلك شاهده في سفارته، وفي شوارع طهران المضطربة.ويمثّل هذا الكتاب سرداً نزيهاً ودقيقاً لكل مرحلة من مراحل ذلك الإنحسار، ويتضمن الكتاب أيضاً عرضاً للتقارير التي كتبها بارسونز للحكومة البريطانية وسجلاً لما قاله للشاه، ولما شعر به شخصياً وفكّر به في حينه.يتساءل بارسونز قائلاً: لماذا فشلت أنا رغم كل خبرتي في المنطقة من رؤية ما كان يبدو وأمام ناظري وشيك الوقوع؟ ويجيب عن ذلك بأن سبب فشله لم يكن في الواقع نتيجة نقص المعلومات بل في قصور تفسيرها إذ كان ذلك التفسير متأثراً بالمبادئ التاريخية العامّة بدلاً من إستنباط الدرس التاريخي الملائم من ماضي إيران لقد حاول الشاه جاهداً تحويل إيران إلى شيء ما هي ليست منه بشيء كان يحاول تحويلها إلى دولة ذات إقتصاد صناعي حديث.لقد أحكم قبضته الحديدية في فترة الإزدهار النفطي بمساندة القوات المسلحة له وبمساندة جهاز الأمن الرهيب المعروف بالسافاك. وعندما إنهار الإزدهار، وخلّف أثره طبقة بروليتارية ساخطة لا جذور لها، اختار الشاه تلك اللحظة التي كانت أسوأ اللحظات، لرفع الغطاء السياسي وإتّخاذ إجراءات بإطلاق الحريات. وسواء كان ذلك نتيجة لضغط الولايات المتحدة الأميريكية وبالذات حملة حقوق الإنسان التي دعا لها جيمي كارتر أو لم يكن فقد أعدّ الجوّ المناسب لإتّحاد القوى التقليدية الثلاث: الملالي والمفكّرين وأهل السوق ولقيامها بتشكيل المقاومة (رغم أن بارسونز لا يعتقد بأن الولايات المتحدة كانت وراء ذلك، لقد اتّحدت هذه القوى بصورة لم يستطع بارسونز إدراكها، وكذلك لم يستطيع الشاه أيضاً، إلاّ بعد وقت متأخر، وكانت قدرة الإمام الخميني في السيطرة على هذه القوى فكرياً وتوجيهياً بسرعة شكل صدمة إضافية أخرى.ومن خلال تحليل السياسات الداخلية في إيران كما رآها بارسونز خلال السنوات التي سبقت الثورة يقدّم لنا سجلاً لا ينسى لتلك الأشهر الأخيرة للحكم البهلوي: إذ يصف دائرة الأربعينية التي أقيمت حداداً على أرواح أولئك الذين قتلوا في أحداث الشغب والمواجهات الدامية التي جرت في ساحة جالة بين الجيش والمتظاهرين ويصف أحداث تلك الليلة المشوّشة التي سمح بها الجيش للمعارضين بأطراف طهران (بما فيها جزء من السفارة البريطانية) بهدف إجبار الشاه على قبول قيام حكومة عسكرية ويصف المواكب الهائلة التي سارت في أيام الأعياد الإسلامية وأيام عاشوراء والمظاهرات التي خرجت إلى الشوارع؛ ويعتقد بارسونز بأن هذه الأمور مجتمعة هي التي أدّت إلى سقوط النظام أكثر من أي سبب آخر.حاول السيد بارسونز إيجاد إجابات الأسئلة التي شغلت فكره منذ مغادرته طهران فلو توقّع بارسونز ما كان سيحدث هل كان سينصح الشاه بتبنّي سياسات مختلفة أم هل كان سينصح بريطانيا لتغيير سياستها تجاه إيران؟ أم هل كان بارسونز محتفظاً جداً في إنعدام النظر في الصراع الداخلي في إيران في محاولة لتجنّب إحتمال تازم علاقته بالشاة؟ لم يعتمد في إجاباته على الإدراك المتأخر للحوادث بعد وقوعها بل اعتمد على تفكير واضح حول الأمور وهي تتكشّف أمامه وعليه فقد قدم صورة دقيقة جداً عن الشاه في سنواته الأخيرة في الحكم: كان الشاه أتوقراطياً لكنه كان متردداً بشكل غريب. وكان حاذقاً وحصيفاً فيما يخصّ الشؤون الخارجية ورغم ذلك كان بعيداً جداً عن شعبه وعن الواقع الذي يحيط به.لقد قدم بارسونز في كتابه هذا وجهة نظر متجانسة ونقدية لعملية سقوط ملك، وإنفجار ثورة.