إن المبعوث الدبلوماسي هو الشخص الذي حاز ثقة حكومته، وقدرت فيه صفاته وكفاءته وما يتحلى به من خلق طيب وأمانة وصدق لا يرقى إليها الشك، فأوفدته لكي يمثلها ويكون عنواناً رفيعاً لكل تصرف يصدر منه. ولذلك فهي تطلب منه الكثير، لكي يقوم بكل ما هو مطلوب منه من مهام دقيقة على الوجه الذي تنتظره منه. فمهمة الدبلوماسي هي الحفاظ على السلام والو...
قراءة الكل
إن المبعوث الدبلوماسي هو الشخص الذي حاز ثقة حكومته، وقدرت فيه صفاته وكفاءته وما يتحلى به من خلق طيب وأمانة وصدق لا يرقى إليها الشك، فأوفدته لكي يمثلها ويكون عنواناً رفيعاً لكل تصرف يصدر منه. ولذلك فهي تطلب منه الكثير، لكي يقوم بكل ما هو مطلوب منه من مهام دقيقة على الوجه الذي تنتظره منه. فمهمة الدبلوماسي هي الحفاظ على السلام والوئام والعلاقات الطيبة بين دولته والدول المبتعث إليها. والدبلوماسي المحترف مهما كانت جنسيته مقتنع بأن هذه المهمة هي واجبه الرئيس. ويحكم على أية دولة وشعبها من خلال الأعمال والتصرفات التي يقوم بها ممثليها في الخارج، وبالتالي كان على الدول أن تعنى أشد العناية باختيار مبعوثيها الذين سوف يمثلونها. ومن هنا يتبين لنا أن المسؤولية التي يحملها الدبلوماسي على عاتقه مسؤولية خطيرة، وبالتالي كان عليه أن يشق طريقه بحذر وحرص. فيا حسرة على دولة ابتليت بدبلوماسي راح يمثل بها بدلاً من أن يمثلها تمثيلاً لائقاً. ومن هنا كان على المبعوث الدبلوماسي ألا يسيئ استعمال ما منح من حصانات وامتيازات دبلوماسية لا تمنح لمثله من الأجانب العاديين، وإنما على العكس يلزم أن يكون في غاية الحرص والدقة في مراعاة النظام واحترام القانون، فإن استهتر وخالف، كان جزاؤه الحرمان من شرف تمثيل دولته. والسبب الذي حذا بنا إلى البحث في جوانب هذا الموضوع، هو تسليط الضوء على الإساءات التي ترتكب من قبل بعض المبعوثين الدبلوماسيين تحت مسمى الحصانات والامتيازات الدبلوماسية. فالحصانات والامتيازات التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسي لا تعني حرية مخالفة القوانين والأنظمة المحلية، ولا إباحة ارتكاب الجرائم، وإلا تحولت إلى وسيلة للفوضى وعدم الاكتراث بالقانون، مؤدية بذلك إلى خلق طبقة اجتماعية متميزة تعلو على باقي الأفراد وتسمو على القوانين. كما أن العدالة تأبى أن تتحول الحصانات والامتيازات الدبلوماسية من وسيلة لحماية الدبلوماسي وصون كرامته، إلى وسيلة للتستر على تصرفات مريبة وأفعال مشينة وجرائم جنائية قد تؤدي إلى ضياع حقوق الأفراد والإضرار بمصالحهم. وتشكل إساءة استخدام الحصانات والامتيازات الدبلوماسية أحد المتغيرات الخطيرة التي بدأت تطفو على سطح العلاقات الدولية، ومثال ذلك ارتكاب أفعال لا تمت إلى الوظيفة الدبلوماسية بأية صلة تحت ستار الحصانات والامتيازات الممنوحة، كتهريب المخدرات وارتكاب جرائم قتل وانتهاك قوانين الأمن والتدخل في الشؤون الداخلية للدولة المضيفة والتجسس وغيرها من الأمور التي تحظرها قوانين الدول المضيفة. أضف إلى ذلك أن إساءة المبعوث الدبلوماسي لامتيازاته وحصاناته الدبلوماسية هو أمر خطير، لأن من شأن ذلك تقويض العمل الدبلوماسي من جذوره، والنأي به عن الأهداف التي شرّع من أجلها، والإضرار بمصداقية الحرفة الدبلوماسية. فيجب على المبعوث الدبلوماسي مراعاة الغاية التي من أجلها تم منح الحصانات والامتيازات الدبلوماسية، والتي إن اتبعت ستؤدي إلى زيادة أواصر التعاون السلمي بين الدول، وفي نفس الوقت النهوض بمستوى المهنة الدبلوماسية بما يكفل تحقيق أهدافها ومقاصدها النبيلة، والنأي بها عن كافة التصرفات غير المسؤولة التي ترتكب من قبل بعض الدبلوماسيين.