مقدمة الكتاب :: لا جدال في أن الظاهرة الفنية كانت محور اهتمام العديد من مجالات المعرفة الاجتماعية والإنسانية، ومنذ الاهتمام بالتأريخ للظاهرة الفنية والصراع دائر بين التقليدية والحداثة أو ما نطلق عليه الاستكانة والثورية في الفن. وبناء على هذا الصراع و التناقض المعرفي اهتم علماء الاجتماع بالظاهرة الفنية التي تقدم من خلال قنوات اجت...
قراءة الكل
مقدمة الكتاب :: لا جدال في أن الظاهرة الفنية كانت محور اهتمام العديد من مجالات المعرفة الاجتماعية والإنسانية، ومنذ الاهتمام بالتأريخ للظاهرة الفنية والصراع دائر بين التقليدية والحداثة أو ما نطلق عليه الاستكانة والثورية في الفن. وبناء على هذا الصراع و التناقض المعرفي اهتم علماء الاجتماع بالظاهرة الفنية التي تقدم من خلال قنوات اجتماعية متعددة للبحث عن العلاقة بين الظاهرة الفنية و الواقع الاجتماعي المعاش. فعالم الفن ـ كما يشير العالم الفرنسي بيير بورديوPierre Bourdieu ـ هو وسيلة لفهم العالم المحيط بنا الذي يظهر في إبداعات تحتاج إلى جهود علمية متخصصة لفهم تلك العلاقة بين المنتج الفني ووقائع المجتمع وبالنظر إلى التأريخ السوسيولوجي للفن الإبداعي نلاحظ مراحل التطور التي بدأت بالتحليل السوسيولوجي للفكر الجمالي الذي ركز على العلاقة بين جماليات الصور الفنية وظواهر المجتمع محاولاً ربط الفن بظروف مادته ودنيوته على عكس ما كان سائدًا من قبل (تأويلات روحية وجمالية تقليدية) ولعل التراث المادي التاريخي أبرز ممثل لهذه المرحلة (ارجع في ذلك لمقاربات بلفانوف ولوكاش) وفيما بعد لأفكار أصحاب مدرسة فرانكفورت مثل أدنورنو وفالتيربنيامين من حيث التحليل المادي لظواهر الكون.وتطور الفكر حول الظاهرة الفنية من منظور سوسيولوجيا الفن و الإبداع في مرحلة لاحقة ليتخذ مقولة أن الفن كظاهرة اجتماعية هي جزء من السياق السوسيو ـ اقتصادي ومن ثم ضرورة اخضاع الظاهرة الفنية للدراسة الإمبريقية للكشف عن مدى قدرة الظاهرة على تصوير الواقع الفعلي بتناقضاته وإشكالياته مما أبرز ما يسمى بـ "التبعية التبادلية" بين البعد الجمالي للمنتج الفني والحياة المعيشية الاجتماعية القائمة في واقع المجتمع المعبر عنه في الأداء الفني المبدع (أفكار فرنسييس هاسكل).و لم يقف الأمر عند الربط بين المنتج الفني والظروف التي صاحبت الإنتاج، بل تطور الأمر إلى دراسة "الفن كمجتمع" حيث التركيز على الوظيفة التي يؤديها الوسط المحيط بالفن والناس وبنيته الداخلية وتفاعلاته مما أوجد جيلاً من رجال الفكر السوسيولوجي يحاول أن يصل إلى البحث عن القواعد المنضبطة التي تحكم تعدد الأفعال و الأشخاص و المواضيع و المؤسسات و التصورات التي يتكون منها جميعًا وجود جمعي لظاهرات تندرج تحت اسم الفن والإبداع. ولعل هذا التطور بين الفكر السوسيولوجي النقدي وبين الإنتاج الفني المبدع فسح المجال لسوسيولوجيا الفن لدراسة العلاقة بين المتلقي للمنتج الفني و بين الجمهور و تفضيلاته. بعبارة أخرى يتحول البحث من فن الجمال إلى رؤية المتلقي وتفاعلاته مع العمل الفني حيث تغيب في هذه الحالة الحواجز الفاصلة بينهما، و هنا تظهر " السوسيولوجيا التفاعلية" التي تناقض ما كان سائدًا من فكرة السوسيولوجيا المهيمنة. وعلى الرغم من أن التطور في حقل سوسيولوجيا الفن و الإبداع كان في صالح التخصص " علم اجتماع الفن " واستقلاليته عن مجالات المعارف الأخرى إلا أننا نؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الفن يعبر عن أحاسيس وإدراكات ، فلا يصبح الفن للفن، و لا يقتصر النظر إلى العمل الفني بمعايير محددة سلفًا كما كان في عصر الحداثة، وإنما تخطى هذه المرحلة باعتبار الظاهرة الفنية مؤقتة فيما يتعلق بكل من الإحساس والإدراك، فتباين الثقافات و اختلاف مدركات البشر غيرت من قيم و معايير العمل الفني واتجهت إلى قيم مستحدثة قيم ما بعدية بدخولها في منظومة ما بعد الحداثة؛ إلا أننا نؤكد أن قيم الجمال ستظل أحد أهم إبداعات الإنسان و دعم لتقدمه و رقيه، ومن ثم يصبح واجب سوسيولوجيا الفن أن تقدم شرحًا وتحليلاً وتفسيرًا لواقع الحياة ، من خلال فهم تفاعلات الإنسان و الكشف عن تصوراته حول قضايا مجتمعية، واقع حياته المرتبط بمجموعات العالم، سريعة التغير وكثيفة المعارف.إننا نعتقد أن تطور علم سوسيولوجيا الفن مرهون بتجسير الفجوة بين ثقافة الناس و تصوراتهم حول العمل الفني، وبين المنتج للعمل الإبداعي إلا أن ذلك لا يجب أن يكون في مصلحة ما يسمى بالامبريالية السوسيولوجية التي تدعي لنفسها الشمول في التفسير و التحليل، إن فهم العمل الفني طريقة ممتازة لفهم ما يدور في المجتمع. من هذا المنظور تقدم لنا الدكتورة أريج البدراوي زهران مؤلف "سوسيولوجيا الفن" الإبداع طريق إلى التنمية والازدهار، في محاولة لتقديمه إلى القارئ العربي لينهل منه تلك الرابطة بين الفن و المجتمع باعتبار أن الفن ظاهرة إبداعية في المقام الأول وتظهر في ظل أوضاع مجتمعية ومتغيرات عالمية منطلقة من مقولة ديفيد انجلز التي يقول فيها: " ليس هناك فن بذاته بل هناك ما يمكن أن نطلق عليه جماعة معينة تشير إلى أنه فن" . وفي معالجتها لهذا المجال التخصصي في سوسيولوجيا الفن جاء المؤلف في ستة فصول تناقش فيه قضايا الإبداع ودور العمل المبدع في مجال التنمية، ويطرح إبداع النشء و مستقبل التنمية، ويختص الفصل الرابع بالتنمية و إبداعات المرأة المصرية دراسات واقعية للمبدعات وفي الفصل الخامس تثير قضايا العلاقة بين حرية التعبير والإبداع دراسة حالة للفن الجرافيتي أما الفصل السادس فتتعمق في دراسة الشخصية المصرية بين الاستكانة وإبداع ثورة 25 يناير. والدراسة التي أمامنا تحتاج إلى قراءة متأنية ومتعمقة للكشف عن العلاقة بين الفن والتقدم، بين الإبداع والتنمية، بين رصد الواقع والعمل الإبتكاري الداعم للترقي. ولاشك في أن الدور الابداعي للمرأة هو من محركات تقدم المجتمعات البشرية بل يمثل عنصرًا أساسيا للنهضة والتحضر. من هذا المنظور يسعدني أن اسطر تقديما لهذا الكتاب الممتع الذي بذلت فيه الباحثة الدكتورة أريج البدراوي جهدًا تعترف مقدمًا، وهي تقدمه للقراء في مجتمعاتنا العربية، أنه يحتاج إلي المزيد من التحاور مع أفكار إبداعية أخري؛ مؤيدة أو معارضة تستند إلي منهجية علمية ومنظور فني أكاديمي يضفي مزيد من المعرفة والتطوير من أجل ثورة مقبلة في مجال سوسيولوجيا الفن والإبداع التنموي. محتويات الكتاب :: مقدمة الكتابالفصل الأول:الإبداع ؛ الإطار النظري و التحليل الاجتماعيأولاً: الإبداع ودلالاته المختلفةثانيًا: النظريات المفسرة للإبداعثالثًا: الإبداع في التراث البحثيرابعًا: تعقيب واستنتاجات نهائيةالفصل الثاني: دور الإبداع في التنميةتمهيدأولاً: مفهوم التنميةثانيًا: مؤشرات النظام العالمي الجديدثالثًا: نظريات التنميةرابعًا: أهمية التعليم في التنميةالفصل الثالث: مستقبل التنمية في حماية إبداع النشءتمهيدأولاً: دور التنشئة في الإبداعثانيًا: مفاهيم أساسيةثالثًا: الإطار النظريرابعًا: صور للإهمال و الإساءة للأطفالخامسًا: تصور مقترح للتوعيةالفصل الرابع: التنمية و إبداعات المرأة المصرية: دراسات واقعية للمبدعاتتمهيدأولاً: مسلمات أساسيةثانيًا: معايير اختيار المبدعاتثالثًا: خريطة الإبداع النسائيرابعًا: الاستخلاصاتالفصل الخامس: جدلية العلاقة بين حرية التعبير والإبداع: دراسة حالة للفن الجرافيتيتمهيدأولاً: تاريخ الرقابة في مصرثانيًا: الأطر النظرية و المنهجيةثالثًا: الحرية وعلاقتها بالعدالةرابعًا:العلاقة الوطيدة بين الفن والمجتمعخامسًا: الفن الجرافيتي و تاريخهسادسًا: رؤية الفنانين للجرافيتيخاتمة الفصل الخامس الفصل السادس: الشخصية المصرية بين الاستكانة وإبداع ثورة 25 ينايرتمهيدأولاً: اعتبارات أساسيةثانيًا: القضايا المطروحة للنقاشثالثًا: المقولات النظريةرابعًا: المفاهيم الأساسية للدراسةخامسًا: دراسات سابقة عن الشخصية المصريةسادسًا: أبرز مظاهر التغير في المجتمع العالمي والمصريسابعًا: التحليل الاجتماعي لثورة 25 ينايرثامنًا: الإجراءات المنهجيةتاسعًا: نتائج الدراسةعاشرًا: الخاتمة والرؤية المستقبلية