يتصف الأردن بطبيعة وموقع مميزين جعلاه يستأثر بخصائص ذات سمة متفردة تتجاوز حجم مساحته وعدد أهله. فهو دار مقرّ وممرّ، عتبة يأوي إليه القادم من الصحراء، وموئلاً للباحث عن الأمن والحماية للقادم من الخضراء. فإذا نظرنا إلى جزيرة العرب وجدنا بوابتها، وإذا ما استطلعنا تاريخ وخارطة أقاليم بلاد الشام، وجدنا ظهيرها الذي يحميها، وأحد المناب...
قراءة الكل
يتصف الأردن بطبيعة وموقع مميزين جعلاه يستأثر بخصائص ذات سمة متفردة تتجاوز حجم مساحته وعدد أهله. فهو دار مقرّ وممرّ، عتبة يأوي إليه القادم من الصحراء، وموئلاً للباحث عن الأمن والحماية للقادم من الخضراء. فإذا نظرنا إلى جزيرة العرب وجدنا بوابتها، وإذا ما استطلعنا تاريخ وخارطة أقاليم بلاد الشام، وجدنا ظهيرها الذي يحميها، وأحد المنابع الذي يمدها ليس بالسكان فحسب، بل وبالقادة والجيوش والفتوح أيضاً. أما خصائص الطبيعة فتكمن في جمالها والتقاء الأضداد فيها وتنوعها من غور وسهل وجبل وواد وبحر وصحراء وبادية وخضراء، وما تتميز به بيئة كل نمط من هذه، من ميزات تنعكس على توفر وتعدد الإمكانات التي تجعل من الأردن بيئة جذب سكاني، الأمر الذي آل إلى الاستقرار. ومن ثم إلى البناء والإعمار، وذلك ما نرى شواهده بدءاً بوادي رم جنوباً، وانتهاءً بنهر اليرموك، وآثار مملكة أبيلا شمالاً. ويقود التفحص لهذه الآثار عبر البلاد طولاً وعرضاً إلى الإفصاح عن نشوء الممالك والإمارات والمشيخات التي كانت مستقلة تارة، ومتحالفة مع بعضها تارة أخرى، أو خاضعة لهيمنة خارجية لفترة محددة، تثور بعدها وتتحرر من أي شكل من أشكال السيطرة، تمشياً واتفاقاً مع نفسية الإنسان في هذه البيئة عبر التاريخ أو تنتهي تلك الممالك ويبقى الشعب. وإذا كان عدد السكان في الأردن قد تفاوت عبر الحقب التاريخية بين قلة وكثرة، ومدّ وجزر، مثلها في ذلك مثل سائر بقاع الأرض، قد مرّت بفترات تصحر، ونضوب موارد، واحتلال واختلال وهجرات جذب وطرد، وصراعات داخلية وخارجية، وبالتالي قلة في السكان، فإن الأردن قد غصّ وازدحم بالسكان في فترات أخرى، إلى درجة أنها كانت تستوعب أربعة ممالك وسكانها في آن واحد. وباستطلاع تاريخ الشعب الأردني عبر التاريخ، نجده يبدأ بمجموعات عشائرية -عشائر- تتحول مع الزمن والاستقرار والإعمار والازدهار إلى مشيخات أو إمارات- ثم إلى ممالك.. كان ذلك فيما مضى وتكرر ليحدث في العصر الحديث، في الوقت الذي تتطور معها القيادة العشائرية إلى قيادة سياسية، والعشيرة إلى شعب. وبوجود هذه الممالك عملوا وأنتجوا، وأبرموا الاتفاقيات والمعاهدات، وأشادوا الحضارات، وعمّروا البلاد حتى أصبحت مزدهرة، وبلاد أمن وخيرات، وحتى غدت مطمعاً للغزاة ومنطقة جذب للجيوش والشعوب والحكام. وإذا كانت الممالك الأردنية، الحوريون ثم بتراء (الأنباط)، وآدوم (الأدوميون)، ومؤاب (المؤابيون)، وحشبون (الحشبوسيون/حسبان)، وعمون (العمونيون)، وباشان (مملكة أوغ)، وأبيلا، قد خلفت بعض الآثار التي يمكن منها استشفاف الحقائق الكثيرة عن هذه الدول ونمط حياة شعوبها، فإن العشائر الأردنية التي عاشت بعد الفتوحات الإسلامية لم تخلف آثاراً خاصة بها عمّن سواها، الأمر الذي يتعذر معه في كثير من الأحيان معرفة تفاصيل فروعها، وأماكن وجودها ومضاربها، وما آلت إليه عبر الحقب الطويلة. وبذلك نجد المحصلة الهامة، ألا وهي انعدام التفصيلات والتدوينات اللازمة الكاملة عن العشيرة الأردنية. وذلك ما حاول الباحث الدكتور "أحمد عويدي العبادي" أن يؤديه ويقوم به لخدمة وطنه وشعبه وتوثيقاً للأجيال المستقبلية، وهو يقول أن ما سيفصله في كتابه هذا سيكون محط أنظار واهتمام الأجيال القادمة، ومن خلاله سيتمكن القارئ من معرفة التطور والتغير الاجتماعي في العادات والبنية والرجالات وأجدادهم وأحفادهم عندما تريد الأجيال اللاحقة إجراء الدراسات والمقارنات في شتى المواضيع الاجتماعية. وحرصاُ من الباحث في الحصول على مرجع متكامل، فقد شرع في المحاولة فبدأ بذكر اسم العشيرة، ومواقعها، ومواطنها، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وهو أمر يخدم الهدف من الدراسة في كل زمان ومكان. كما عمل على توثيق ما حصل عليه بأعلى درجات التوثيق ناسباً كل شيء يحصل عليه إلى من روى عنهم، مع ذكره للزمان والمكان والحضور، ومن عمل على جمع المادة أو روى له أو للعاملين، وذلك لإيمانه أن التوثيق من الأسس التي تبني عليها الحضارات دعائمها والمجتمعات وجودها وتاريخها، ومن خلاله -أي التوثيق- يعرف الجيل الحاضر عن الغابر والمستقبل عن الحاضر. وهكذا تبقى السلسلة متصلة الحلقات على مرّ الدهور والشهور. ومن خلال ذلك يمكن للمجموعة أن تتعقب أماكن سكناها عبر الأجيال، وما طرأ عليها من تغيير في الأسماء والمواقع والانتماءات، ومعرفة المجموعات الوافدة على هذه المكان أو ذلك والمجموعات الأصلية فيه، ومن هو الوافد أو الدخيل، ومن هو الأصيل؟ وبالإضافة إلى ما ذكرنا تواّ، سلك منهجاً خاصاً به في هذا الكتاب، بعيداً عن التقليد، وإنما لأن طبيعة المجتمع الأردني متميزة ومتفردة -كما سبق وقلنا- وبالتالي فإن الأمر يحتاج إلى أسلوب على هذا النحو والمستوى من التميز والتفرد أيضاً، فللأردنيين شرعتهم ومنهاجهم الذي قد يأتلف أو يختلف مع سائر الشعوب الأخرى ولا عيب في ذلك عليهم ولا على غيرهم من الشعوب. كما سلك في كتابه هذا أكثر من منهج، حيث أورد المعلومات على شكل قصة وحوار تارة، وأخرى بصيغة معلومات خالية من المداعبة أو الاستلطاف تارة أخرى، وكلاهما جائز ومقبول حيث لكل مقام مقال. وقد رتب المادة حسب الحروف الهجائية، بحيث جاءت الأبواب حسب ذكر أسماء العشائر الذي جاء إما حسب الاسم أو الموقع. هذا وقد خصص الباب الأول لما توفر لديه من معلومات عن عشائر بني صخر. أما الباب الثاني فقد أفرد للتفصيل عن بعض عشائر بني عباد، ثم ألحقنا بالثالث عن العدوان (بنى عدوان)، ثم البلقاء في الباب الرابع، فالسلطية في الباب الخامس، حتى إذا ما جاء إلى الباب السادس كان ذلك من نصيب عشائر الطفيلة، بعدها كان الباب السابع للغزاوية (الغور الشمالي)، ثم لعشائر الكرك في الباب الثامن، أما ما بقي من العشائر الأخرى التي تتوفر لديه معلومات قليلة عنهم، فقد وضعهم ضمن الباب التاسع. وقد ألحقت بالكتاب معلومات عن عشائر الكرك كان نشرها خير الدين الزركلي في كتابه -عامان في عمان- حيث حذف ما يراه نحن غير مناسب للنشر، ومراسلاته مع العشائر الأردنية، ومراسلاته مع العشائر، وملحقاً عن الزعيم الوطني الشيخ حسين الطراونة، ومراسلاتي مع الإنجليز.