محطات سينمائية عديدة يتوقف عندها الممثل يوسف العاني بكتابه المعنون «السينما استذكارات.. بين الظلام والضوء» الصادر حديثا عن دار الفارابي اللبنانية، وفيها يغطي مشوارا طويلا من العمل السينمائي ما بين الكتابة والتمثيل والنقد سواء على صعيد السينما العراقية او العربية او على صعيد متابعاته لانشطة ومهرجانات سينمائية عالمية.يشير يوسف الع...
قراءة الكل
محطات سينمائية عديدة يتوقف عندها الممثل يوسف العاني بكتابه المعنون «السينما استذكارات.. بين الظلام والضوء» الصادر حديثا عن دار الفارابي اللبنانية، وفيها يغطي مشوارا طويلا من العمل السينمائي ما بين الكتابة والتمثيل والنقد سواء على صعيد السينما العراقية او العربية او على صعيد متابعاته لانشطة ومهرجانات سينمائية عالمية.يشير يوسف العاني الى تلك البداية التي قادته الى اصداراته السابقة «بين السينما والمسرح»، «افلام العالم من اجل سلام العالم»، «هوليوود بلا رتوش» لكنه في هذا المؤلف يطمح ان يكون شيئا من السيرة الذاتية موزعة على اكثر من محطة سينمائية بشكل خاص وهو الممثل والمخرج المسرحي اصلا ويكشف فيها جميعا عن اهتمامه وعشقه للفن السابع، الذي سحره منذ بزوغه على الارض احد افلام سلسلة «طرازان».قبل ان يتحول الى شخص نهم في مشاهدة الافلام ومتابعة حكايا وقصص ابطال الشاشة البيضاء وتقوده مثل هذه الهواية الى قراءة الكتب السينمائية المتخصصة، ويأخذ في مناقشة الافلام المعروضة بالصالات العراقية (بغداد) تحديدا من خلال الصحف الصادرة فيها، والتي ينتهي فيها ناقدا سينمائيا قبل ان تاخذه حرفة التمثيل بعيدا الا انه كان يعود الى النقد بين حين وآخر، يستعيد فيها التصور الذي كان منذ مشاهدته الفيلم الاول قبل ستة عقود ويزيد عبر ابرازه النواحي الفكرية ومضامينها الايجابية او السلبية لصيق بتفكيره الانساني اولا.يستعيد يوسف العاني في فصول الكتاب الموزعة على 57 موضوعا مشاهداته الاولى لهذا النوع من الفن، دون حدود فهو يبدو متنقلا بين افلام اجنبية واوروبية وعربية ويذكر بافلام جورج جابرن ثم افلام يوسف وهبي ويحفظ جملا حوارية من فيلم «المجد الخالد» (1937)، لما فتحه امامه من سعادة ومتعة وصولا الى افلام شيرلي تامبل «الطفلة المعجزة» في سينما غازي، ومن فيلم «انتصار الشباب» 1941 الى «سيدتي الجميلة» في حقبة الستينات وهناك في جعبته افلام لورنس اولفييه وارسون ويلز «هاملت» و«عطيل» وافلام «غادة الكاميليا» لجريتا جاربو، ويعرج على افلام من نوعيات مختلفة مثل تيار السينما الواقعية الجديدة بايطاليا، وافلام الاربعينات في مصر التي حققها احمد بدرخان ويوسف شاهين، وصلاح ابو سيف، الذين حفروا لديه عمقا في رؤيته للواقع قبل ان تأتي موجة افلام من بلدان المغرب العربي وتعمل على تشكيل ذائقته السينمائية ودفعها الى آفاق ارحب.في رؤية خاصة يقف العاني امام حيرة تملكته ابان عرض مجموعة من الافلام العراقية: «سعيد افندي»، «المسألة الكبرى»، «الملك غازي»، «المنعطف» جرى تكريمه من خلالها في باريس، ووضعها امام تجربة اخرى له عندما ادى دوره بالفيلمين «اليوم السادس» ليوسف شاهين في مصر، والثاني «السنونو لن يموت في القدس» لرضا الباهي في تونس، وبذل فيها جهدا فنيا وفكريا، فعدا عن الاحتفال الحماسي الذي واجهه فيه جمهور خليط من ثقافات متعددة، الا انه تمكن من الدخول الى جوهر الازمة والحيوات لابطال تلك الاعمال، واتفق الجميع على ادائه المتلون والمتمكن والمستوى الفني الذي بلغته السينما العراقية رغم كل العقبات.يتأمل المؤلف حكايته مع المهرجانات السينمائية العالمية التي شارك فيها كمساهم او متابع لها وبالذات «مهرجان السينمائيين الشباب» في اوكرانيا (1957)، ومهرجان «كارلو فيفاري» بتشيكوسلوفاكيا (1962) ومهرجان «لايبزغ» للافلام الوثائقية لثلاث دورات 67، 68، 1969، ومثلها في دمشق، القاهرة، قرطاج، واشتراكه بفعالية في ندوات تلك المهرجانات باوراق عمل متخصصة عن مواضيع وقضايا تهم المتلقي لذلك النوع من الثقافة السينمائية.يتوقف العاني عند الكثير من الافلام والاسماء التي عمل معها في في السينما العراقية او المصرية او التونسية ويحكي تفاصيل مهمة عن العلاقة ما بين الممثل والمخرج، ويسرد جوانب طويلة من المسيرة السينمائية وتدرج كل مخرج حتى وصل الى دفة العمل السينمائي، لكن ذلك لا يمنع من تباين لوجهات نظر خصوصا عند الاعداد لخطة الفيلم او القيام باسناد الادوار لطاقم من الممثلين والشروط الواجب توفرها ويشير بهذا الصدد الى الظلم الذي قد يلحق بالممثل عندما يأتي مقص المونتاج، ويختزل الدور الى اشبه بدور صامت او قصير، على خلاف ما كان على الورق.وفي محطة فيلم «الظامئون» يسلط المؤلف صورة مقربة على المعاناة لدى السينمائي المثقف مقارنة مع هواجس الرقيب ودخوله في خضم من الاشكالات مع الجهات الرسمية، او لجهة الزملاء العاملين انفسهم بالفيلم.زاخر كتاب «السينما: استذكارات بين الظلام والضوء» وعميق في تفاصيله التي قد يراها القارىء بسيطة لكنها محملة بالكثير من الاشارات والدلالات التي تثري الكتاب باجواء عشق السينما وسحرها لكنها حتما لا تخفي حجم المعاناة والتصدي الذي يواجهه المبدع لحظة انغماسه بالعمل.. فالكتاب خلاصة خبرة رصينة وعلى حجم ما فيه من حقائق ووقائع ومعلومات فان اهميته تأتي من تلك اللحظات ذات اللفتات الخاصة المليئة بالمشاعر الانسانية تجاه زملاء موزعين ما بين السينما العراقية والسينما اللبنانية والمصرية والعالمية وفي السينما المهاجرة!