شكل المسرح بدعوته السياسية ومنذ عهد الإغريق القدماء اهتماماً كبيراً بالحقوق المقدسة للإنسان الإغريقي، ورغم أن الدراما الإغريقية قد تشكلت من أساطير وملاحم أحاطت بحياة الإنسان الإغريقي وكيانه، إلا أنها ناقشت بعمق فكري وفلسفي مسيرة الأفراد من حيث أنهم بشر يؤثرون ويتأثرون، فقد حملت لنا مأساة (انتيجونا) لـ(سوفو كلس) مسألة غاية في الأ...
قراءة الكل
شكل المسرح بدعوته السياسية ومنذ عهد الإغريق القدماء اهتماماً كبيراً بالحقوق المقدسة للإنسان الإغريقي، ورغم أن الدراما الإغريقية قد تشكلت من أساطير وملاحم أحاطت بحياة الإنسان الإغريقي وكيانه، إلا أنها ناقشت بعمق فكري وفلسفي مسيرة الأفراد من حيث أنهم بشر يؤثرون ويتأثرون، فقد حملت لنا مأساة (انتيجونا) لـ(سوفو كلس) مسألة غاية في الأهمية، حيث بينت الفرق بين من يقتل دفاعاً عن وطنه، وبين من يقتل وهو يحارب وطنه بوصفه يعد فرداً في مجتمع له أصول وقواعد وأسلوب في السياسة.إن الإسقاطات السياسية قد واكبت فن المسرح على امتداد مراحله التاريخية، ولكن ظهور تنظيرات المخرج الألماني (إيرفين بيسكانور) مع بدايات القرن العشرين بلورت ملامح المسرح السياسي بشكلها الكامل، وقد جاء ظهور هذا المسرح كرد فعل على الآثار السلبية الناجمة عن الحرب العالمية الأولى.إن (بيسكاتور) قد وضع مسرحه السياسي في خدمة الحركات الثورية السياسية التي تبحث عن حقوق المجتمع في ظل عمليات القهر والاستعباد التي فرضها واقع الحروب، لذلك فقد اتخذ من حركة الطبقة العاملة أساساً جوعرياً في تحقيق إنسانية المجتمع وحقوق أفراده المهنية والسياسية.لقد ألقت التنظيرات العالمية حول المسرح السياسي -لا سيما تنظيرات كل من (بيسكاتور، بريخت، فايس) بظلالها على المسرح العربي نصاً وإخراجاً، حيث تبنى الفنان والمثقف العربي قضايا الأمة العربية المصيرية ابتداءً من تكالب الاستعمار على أقطارها، وانتهاءً بحالة التجزئة التي وصلت إليها.لكن الصدمة الكبيرة بالنسبة للإنسان العربي تمثلت في احتلال فلسطين وقيام الكيان الصهيوني، حيث تصدرت قضية فلسطين نتاجات المسرحيين العرب في جميع الأقطار العربية، وبعد النكسة الحزيرانية عام 1967م بدأ المسرح العربي المعاصر يشارك في حوار الأمة العربية كلها، وذلك بعد فرضت النكسة على المثقف العربي حالة الإحساس بهشاشة الواقع السياسي وخواء الشعارات التي أفضت إلى الهزيمة العسكرية وإلى سقوط الزعامات المزيفة، وفي ضوء ذلك مارس المسرح دوره في منح الإنسان الفلسطيني دفقة أمل قوية ارتبطت بالنضال السياسي التقديم الذي أسهم في إبراز الشخصية النضالية للإنسان الفلسطيني.إن المرحلة التي أعقبت نكسة حزيران ارتبطت في جوهرها بالبحث الدؤوب عن بناء شكل مسرحي عربي وعن هوية لهذا الشكل، وذلك بهدف الخروج على تقاليد المسرح الغربي، وقد كان لذلك إنعكاسه على المسرح السياسي العربي على صعيدي النص والإخراج.وتأسيساً على ما تقدم يرى الباحث أن هدف البحث يكمن في محاولة التعرف على المضامين الفكرية والجمالية للمسرح السياسي العالمي ومدى انعكاسها على المسرح السياسي العربي.