بقع الدم مازالت تلطخ بعض الشوارع رغم مرور بضعة أيام على إعلان حالة الطوارئ وهي بقع غير واضحة المعالم وبلا هوية، كانت الأيام السابقة وخلال الساعات الأولى من ولوج حالة الطوارئ قد شهدت مواجهات عاصفة وقد اختلطت الأحداث وتداخلت بقع الدم. عندما تلقى حمد رسالة في هاتفه لم يعلم مصدرها تعلن القبض على زهرة..بوعلي الهوى.. كأنه ظل الماء يحت...
قراءة الكل
بقع الدم مازالت تلطخ بعض الشوارع رغم مرور بضعة أيام على إعلان حالة الطوارئ وهي بقع غير واضحة المعالم وبلا هوية، كانت الأيام السابقة وخلال الساعات الأولى من ولوج حالة الطوارئ قد شهدت مواجهات عاصفة وقد اختلطت الأحداث وتداخلت بقع الدم. عندما تلقى حمد رسالة في هاتفه لم يعلم مصدرها تعلن القبض على زهرة..بوعلي الهوى.. كأنه ظل الماء يحتمل كل الأنواء، يسكب نشوته على الأمكنة التي يمر بها، يتيه في التجوال أينما حل، تعرفه الشوارع والطرق والسواحل بقامته المهيبة وأساريره المقتضبة، يقطع الدروب كأنها الفيافي، تهدهده ابتسامته المعهودة كأنها علامة أزلية، يحتضنه الأفق البعيد الفاصل بين الليل والنهار.في إحدى الليالي خيل له أنه كالنبي موسى، أوحى له صوت من طبقات السماء العليا بالخروج قبل الفجر بساعات وكان يومها معتزلاً الحياة، فك حبل أحد القوارب الصغيرة وطاف به أرجاء البحر .الريح العجاج بدت أشبه بالرهج، برزت الشوارع شبه خالية من السيارات برغم أن الليلة كانت نهاية الأسبوع وقد بدا الليل أقرب إلى الغلس وهو في منتصفه، كانت هناك سيارة وحيدة قادمة من طرف الشارع الرئيسي لجسر سترة متوجهة نحو منعطف الكوبري المؤدي نحو المحرق. "عد إلى البحر تعد إليك ذاكرتك" فتح سعد بن ناصر ذهنه على مسافة طويلة إلى الوراء وغاص في زمن متناهي البعد، انعطف به عند ساحل المحرق بمحاذاة حيّ البنعلي والبوخميس وانفجرت بداخله طواحين الهواء القديمة التي ملأها بالذكريات المحشوة بالبحر والفتيات والغوص... رأى من حوله الوجوه ولم يكن بينها وجه بوعلي الهوى فاستيقظ على هبة ريح لفحت وجهه وفتح عينيه على الهوى يقبع أمامه هزيلاً إلا من جلد قاسٍ يكسوه ولا أثر إلا لخرائط من الماضي البعيد.رأيت مراسيم حدود بحرك تؤازر كلامك يا رجل، لم تر شيئاً بعد... دعني أرحل فلا بد أن أذهب لقد احتجزتني عندك من غير داع، إلى أين؟ ألا يغريك المكان أن تبقى معي نفكر معاً لنعمل شيئاً للناس التي يطوقها الذعر؟ اتبع خطواتك فيما بدأته وسيصلح حال الناس، أكمل مهمتك وأبق على الساعة تدق حتى ترى خيط الفجر يفصل ما بين الشمس والظلام، وإن احتجت إليك يا رجل؟ ردّ الهوى بنبرة جافة: معك مفتاح البحر، وتعرف كلمة السرّ، قال عبارته ثم لوى رقبته واتجه بنظره إلى الجهة المواجهة للبداية الكبيرة التي تفصل بين القصر والطريق المرصوف بالحجر الأحمر، أطلق زفرة قائلاً: وداعاً. غاب في ظلال الضوء الذي ينبعث من الفناء وطوته الريح ليبدو ظله شاحباً وهو يتوارى.أخرج سعد بن ناصر هاتفه الجوال بسرعة وأدار رقماً والإبتسامة تعلو وجهه المقتضب... لقد خرج من عندي، خذه إلى المكان الذي يريده وراقبوا خطواته من الصباح حتى المساء، بل وأثناء الليل... أريد تقريراً يومياً مفصلاً عنه، خيم الليل على جزر أمواج وساء الهدوء وكأنه خارج اليابسة التي تجري فيها الأحداث، وعلى الضفة الأخرى كانت الأحداث تتسارع مع إصدار الدعوة لتجمع عند مسجد وساحة الفاتح ردّاً على التصعيد الذي جرى في الدوار وعند المرفأ المالي، وبحلول منتصف الليل كانت شوارع المحرق قد بلغت ذروة التوتر وظلت الجموع تتقاطر على واجهات المدينة المطلة على جسري الشيخ حمد والشيخ عيسى... وبحلول اليوم التالي حزم الناس في المحرق كل ما في وسعهم من صور ويافطات وقمصان مع قبعات وتوجهوا نحو مسجد الفاتح عند منعطف البحر ما بين مدينة المحرق والعاصمة المنامة التي كانت في قبضة المحتجين من الضفة الأخرى...خرج "سعد بن ناصر" إلى سطح اليخت وقد أمسك هاتفه وراح يتحدث إلى طرف آخر... لا لا يا شيخ، انتظر ساعة أخرى وسوف ترى المكان وكأن الساعة قامت، نعم سترى البحرين كلها عندك فقوّ من عزيمتك وتوكل على الله تعالى وعلى الناس من حولك لقد أخرجنا الساحر من القمقم..".