يشير مؤلف الكتاب، الدكتور وليد منير، في سياق دحضه ونقضه للادعاءات الفكرية من قبل المستشرقين، إلى أن عصور الفتوحات الكبرى في الإسلام، كانت لحظة مرحلية في السياق الحضاري، وقد عرفت كل الحضارات التاريخية هذا القانون، دون استثناء: «الإغريقية، الرومانية، الصينية، الفارسية، الآرية، الغربية الحديثة». ولكن بدرجات مختلفة وأخلاقيات مختلفة....
قراءة الكل
يشير مؤلف الكتاب، الدكتور وليد منير، في سياق دحضه ونقضه للادعاءات الفكرية من قبل المستشرقين، إلى أن عصور الفتوحات الكبرى في الإسلام، كانت لحظة مرحلية في السياق الحضاري، وقد عرفت كل الحضارات التاريخية هذا القانون، دون استثناء: «الإغريقية، الرومانية، الصينية، الفارسية، الآرية، الغربية الحديثة». ولكن بدرجات مختلفة وأخلاقيات مختلفة. ويبين المؤلف هنا أنه السؤال في هذا السياق هو: ما التقاليد التي حكمت غزو المسلمين لغيرهم؟ وما الأعراف التي شقت بها فتوحاتهم الحربية طريقها؟ ويوضح المؤلف ذلك مبينا أنه كان المسلمون يمثلون من خلال الإسلام، حركة دفع الحضارة قدما، ولم يمثلوا يوماً تحت قناع ديني يخفي النوايا الحقيقية، حضارة دفع تخضع الأمم الأخرى لجبروت سلطانها، كما هو الحال في ثقافات أخرى، أبرزها الثقافة الأوروبية الأميركية. وفي المقابل كان التعصب سمة قوية من سمات الثقافة الغربية والهوس العسكري والغطرسة الدينية ورغبة النهب والسلب، إذن هي السمات الأربع للمد الحضاري الغربي في قوة حضوره، من خلال الحرب والعنف المقدسين.ويرى المؤلف أن فكرة «الإسلام هو المجتمع الإسلامي»، خادعة إلى حد كبير لأن الصفة لا تكون موصوفا بها أبدا إلا بقدر ما يجسده التاريخ قديمه وحاضره معاً من مدى الرابطة بينهما، ويشبه ذلك القول بأن «الحضارة هي المجتمع المتحضر». ولكن تكبد المجتمع الإسلامي في واقع الأمر، مظاهر تخلف عدة، وهي:تقديره المنقوص لأهمية الإنتاج، اختلال وعيه الجمالي بالبيئة، إلى الطائفية. ولا حاجة لنا إلى القول بأن الإسلام في نسقه المعرفي يقف على الجانب المقابل من كل هذه السلبيات، وأنه في أطره المبدئية ينطوي على النوى التي لا تؤدي أصلا إلى توليد هذه المظاهر الشائعة، لأنها تؤدي ببساطة وبوحي من حركة مداراتها، إلى توليد يفقدها، بل قد يكون السبب الأول، لانبثاق مظاهر التخلف وتفاقمها كامنا في اهتزاز منظومة التوجيهات والوصايا الإسلامية ذاتها، وانحدار الإيمان بها من مستوى الممارسة العملية إلى مستوى الاقتناع النظري، نتيجة للضعف والأنانية والطمع والتملك والاستكانة والهوى وحب السلطة، أو نتيجة للإحباط أو الخوف واعتياد الهزائم، وسواء كانت هذه الأسباب أم كانت تلك أم كانت جميعا بحسب مناسبات الواقع وتغيراته، فالعامل المشترك الأعظم بين كل الأسباب لا يعدو أن يكون «ضعف اليقين الداخلي»، وما يعادله من «ضعف الإرادة الروحية» والأخيرة. ويقف وراءها عاملان رئيسيان: عامل خارجي وهو الاستعمار بشكليه القديم والحديث. وعامل داخلي هو الفقدان التدريجي للمناعة الفكرية والنفسية.ويتناول المؤلف ثلاث مسائل خلافية هي: المرأة، حرية الفرد، الديمقراطية.. أما عن المرأة، فيبين أن الإسلام ينظر بعين الاعتبار دائماً إلى الربط الدال بين النوع والدور. وعن حرية الفرد يناقش ويفند المؤلف ادعاءات الكثير من المستشرقين: «كما يوصف الإسلام في الأدبيات الثقافية الغربية، بأنه دين ذكوري يضع المرأة في مرتبة دنيا ويتعامل معها بوصفها أداة لتحقيق الإشباعات المختلفة، فهو يوصف كذلك بكونه دينا معاديا للحرية الفردية، وبأنه يعرقل النمو الشخصي من خلال عرقلته لانفتاح السلوك الفردي. ولكن الإسلام ينظر إلى محددات الحرية وقيودها من المنظور الثاني، وبذا فلا شأن له بالتعصب كما اعتقد المستشرقون من قريب أو من بعيد، إنه يدعو إلى الفهم المبرر والطريقة والغاية على نحو يوحد بين الشعور العميق واختيارات الله في العالم، ومن ثم الالتئام بين السلوك والفعل الخلقي للعقل».ويتناول المؤلف الديمقراطية في الإسلام، قائلاً: يرى بعض المفكرين أن الديمقراطية هي التطور الطبيعي للشورى، وهذا صحيح إلى حد بعيد، بيد أنه لا بد أن نعترف بأن الإسلام، بوصفه عقيدة قبل كل شيء، يضع الديمقراطية في إطار رؤية تخدم أهداف المجتمع المسلم ولا تخرج به عن مساره ولا تنطلق من فرضيات مضادة له. وهكذا فإن الديمقراطية الإسلامية ممارسة سياسية لها طابعها الخاص، وهذا ما يفرقها بوضوح عن الديمقراطية الغربية وسياقات تفاعلها الخاصة.