في منتصف القرن التاسع الميلادي أسس رجل اسمه عبد الله (الأكبر) في مدينة عسكر مكرم الواقعة بين البصرة وأصفهان أول خليّة لنشر الدعوة الإسماعيلية، لكنه فشل في نشر دعوته هناك ففرّ إلى البصرة، إلا أن نشاطه في البصرة لم يدم طويلاً بل اضطر إلى الهرب مرة أخرى وتوجه إلى بلدة السلمية الواقعة في وسط سورية.وفي سنة 875 تأسست في العراق، ومع إع...
قراءة الكل
في منتصف القرن التاسع الميلادي أسس رجل اسمه عبد الله (الأكبر) في مدينة عسكر مكرم الواقعة بين البصرة وأصفهان أول خليّة لنشر الدعوة الإسماعيلية، لكنه فشل في نشر دعوته هناك ففرّ إلى البصرة، إلا أن نشاطه في البصرة لم يدم طويلاً بل اضطر إلى الهرب مرة أخرى وتوجه إلى بلدة السلمية الواقعة في وسط سورية.وفي سنة 875 تأسست في العراق، ومع إعتناق حمدان قروط وعبدان العقيدة الإسماعيلية، أول خلية تابعة له، وفي سنة 881 استقر الداعية الأول ابن حوشب في عدن، وبعد عامين تقريباً سافر منها وعن طريق البحر الداعية الأول إلى الهند، وفي سنة 893 وصل أبو عبد الله الشيعي قادماً من اليمن إلى شمال أفريقيا، وفي سنة 889 وصل الداعية أبو سعيد الجبابي إلى القطيف.وهكذا قامت الدعوة الإسماعيلية وخلال ربع قرن بتأسيس شبكة من الخلايا السرية امتدت من بحر قزوين إلى اليمن ومن الهند إلى المغرب، وكان يجلس في مركزها في السلمية - دون أن يلاحظه أو يعرفه أحد - الحجة الذي كان يقود الدعاية باسم المهدي المنتظر بواسطة مراسليه ودعاته.وقد كان المحرك الرئيس لهذا الإنتشار الواسع السريع يعود إلى فكرة المهدي أو القائم، وهو الإمام السابع والأخير محمد بن إسماعيل، النائب أو المستتر مؤقتاً والذي سيعود في يوم ما ويملأ الأرض عدلاً وخيراً كما هي مملوءة الآن ظلماً وجوراً، هذه الشخصية للمخلص المنتظر، التي طورتها في القرن الثامن جماعات شيعية مختلفة، اتخذت عند الإسماعيلين في القرن التاسع سمة متميزة كليّاً تكمن فيها القوة التفجيرية الحقيقية للرسالة الإسماعيلية.فتقوم الفلسفة الإسماعيلية، ومن الناحية الفكرية على مقولة مفادها ان جميع الشرور والمصائب تعود إلى إبتعاد الأرواح البشرية عن الله، ذلك أن الأرواح اغبست في المادة وهي لا تعرف منشأها الذي تفصلها عنه العوالم والأجواء، المعرفة فقط هي القادرة على إنقاذها وإعادتها إلى منشئها، لكن الأرواح لا تستطيع ذلك بقوتها الذاتية، فهي عاجزة مفاقدة وعيها لأنها مثبتة هنا في هذا العالم، ولكي تتلقى البشرية المعرفة التي تقودها إلى الخلاص يجب أن ينزل الوحي.ولهذا الغرض يريل الله أنبيائه إلى الأرض الذين يسمون "الناطقين"، كل واحد منهم يبلغ عقيدة "شريعة" جديدة لكي يكبح جماع الناس وينظم شؤونهم، ولقد ظهر حتى الآن، حسب العقيدة الإسماعيلية، ستة ناطقين هم: آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وأخيراً؛ وهكذا جاءت ستة ديانات واحدة تلو الأخرى، إلا أن شعائرها وطقوسها وأوامرها ومذاهبيها المختلفة ليست إلا أغلفة خارجية.اما الدين الحقيقي "دين الحق" الذي يستتر خلفها فقد كان في جميع الأزمنة هو نفسه، فهو يشكل المعنى المستتر للثوراة والإنجيل والقرآن؛ إلا أن كل هذه الدعوات لم تلق سوى نجاح جزئي ومؤقت بإستثناء دعوة أي عبد الله الشيعي في شمال أفريقيا التي أسفرت عن نشوء الدولة الفاطمية، في بادئ الأمر في شمال أفريقيا، وفيما بعد في مصر أيضاً، ودعوة أبي سعيد الجنابي في البحرين التي أسفرت عن نشوء الدولة القرمطية التي دامت أكثر من 125 سنة وسيطرت على كثير من البلاد الإسلامية، واصطدمت مع الدولة الفاطمية على الرغم من أن كلا الدولتين تعددان إلى أصل واحد.يتابع الكاتب البروفسور هاينتس هالم الأحداث التي توالت إلى تلك الشخصيات التي كان لها الدور الأبرز في تأسيس الدولة الفاطمية مبرزاً ما لفكرة المهدي من أثر كبير في هذه الدعوة، بل هي تمثل المحور الأساس التي قامت عليه.يتابع الكاتب ذلك، بكثير من التفصيل وبشكل علمي موثق، متحدثاً عن تأسيس الفرقة الإسماعيلية وإنتشارها وصعود الفاطميين إلى السلطة وتوليهم المناصب العالمية، وتاريخ الخلفاء الفاطميين في شمال أفريقيا حتى تأسيس القاهرة.وتجدر الإشارة بأن البروفسور هاينتس هالم يتولى منصب أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة تونبن الألمانية، وهو أفضل من كتب في هذا المجال، فقد كتب العديد من الكتب والأبحاث عن العالم العربي والإسلام، وخاصة الإسلام الشيعي.