كانت (نجران) منذ القدم من أهم وأشهر بقاع الجزيرة العربية ومن أكثرها ذكراً في سجلات التاريخ ومراجع الجغرافيا التي سطرت عن بلاد العرب القديمة، حيث ورد اسم نجران في العديد من تلك المصادر، وتؤكد الدراسات التي أعدها الرحالة الأوروبيون الذين توافدوا على الجزيرة العربية منذ نهايات القرن الثامن عشر، وكذلك المسوحات التي أجرتها (وكالة الآ...
قراءة الكل
كانت (نجران) منذ القدم من أهم وأشهر بقاع الجزيرة العربية ومن أكثرها ذكراً في سجلات التاريخ ومراجع الجغرافيا التي سطرت عن بلاد العرب القديمة، حيث ورد اسم نجران في العديد من تلك المصادر، وتؤكد الدراسات التي أعدها الرحالة الأوروبيون الذين توافدوا على الجزيرة العربية منذ نهايات القرن الثامن عشر، وكذلك المسوحات التي أجرتها (وكالة الآثار والمتاحف السعودية) في منطقة (نجران) مؤخراً.إن تاريخ (نجران) يمتد إلى ما قبل الميلاد بمئات السنين، وتقف النقوش المسجلة على صخور الجبال والكهوف شاهد صدق على الحضارة التي عرفتها (نجران) منذ زمن بعيد؛ تلك الحادثة وما صاحبها من آلام وأحزان وإضطهاد وخيم وروايات وقصص فرضت نفسها عبر القرون، فقد نطق فيها الرضيع ابن التسعة أشهر، وتصرف فيها الطفل ابن الأربع سنوات بحكمة وإعجاز، وسُجّلت فيها تضحيات رجال، وبطولات نساء.إنها أحداث أسطورية تستحق أن تخلد؛ حيث لا تزال آثارها شاهدة إلى اليوم في أرض نجران، حيث الأطلال المسماة (الأخدود وابن تامر)، والشرف الذي لا يعلوه شرف، أن خصها المولى عزّ وجلّ يتخليد ذاكرها في كتابه الكريم، وقد كان أن اندمجت نجران في الكيان السعودي بعد توحيد الملك عبد العزيز المملكة في كيان سياسي واحد وشعب موحد، وحفظ ذلك لمناطق المملكة وسكانها خصوصياتهم كمظهر من مظاهر التنوع الثقافي والإجتماعي المكون لشخصية هذا الوطن الكبير.وأصبح هذا المنهج من ثوابت السياسة الداخلية للدولة، سواء على مستوى الأفراد أو على المستوى المناطق، وظلت كل منطقة من مناطق المملكة تتمتع بمميزاتها وخصوصيتها الجغرافية والتاريخية التي تشكلت فيها شخصية المنطقة، وأكسبت السكان سيماهم الذاتية وطبائعهم السلوكية والإجتماعية، ويبدو ذلك واضحاً في المهرجان الوطني للتراث والثقافة الذي يقام سنوياً في مقره الدائم بــ(الجنادرية) بمدينة الرياض حيث تشارك مناطق المملكة هذا المهرجان عارضة من خلالها موروثها الثقافي، بجانبيه المادي والمعنوي.في إطار هذه الخصوصية والتمييز يأتي هذا الكتاب عن نجران - المكان والإنسان - تلك المنطقة التي فرضت ذاتيتها الجغرافية والبشرية على التاريخ القديم الوسيط والحديث، فقد كانت نجران على مدى قرون وفيق في الزمن - ممكناً إقتصادياً هاماً لوقوعها على طريق القوافل التجارية التي تجوب العالم القديم، كما كانت مسرحاً للمحرقة التاريخية التي ارتكبها الملك الحميري اليهودي (ذو نواس) ليجبر نصارى نجران على الدخول في اليهودية، فلما رفضوا ألقاهم في الأخاديد التي حفرها وأخرم فيها النيران.وقد سجل النجرانيون تاريخهم الطويل - القديم والوسيط والحديث - نحتاً على الصخور، وذكراً في المصادر التاريخية النصرانية والإسلامية، وسرداً للكثير من الروايات التي تتناقلتها الأجيال - إلى يومنا هذا - عن عبقرية المكان والإنسان في نجران.وقد حاول المؤلف تقديم نجران تاريخاً وجغرافياً وسكاناً وثقافة للقارئ ليكون على إطلاع على أهمية (نجران)، منطلقاً في إعداد بحثه هذا من منطلق علمي بني في الأساس على مسح شامل للمتوفر من المصادر والمراجع عن نجران، وقد غطى هذا المسح أهم المكتبات العامة ومراكز الأبحاث المعروفة في المملكة، كما اجتهد في الحصول على ما أمكنه من مصادر عبر زيارته لليمن، كما زار جمعية الجغرافيين البريطانية في لندن وحصل على بعض المصادر منها.وجاء الكتاب ضمن مقدمة وثلاثة فصول، جاء الأول منها تحت عنوان "نجران في سجلات التاريخ"، ودار الثاني حول "نجران قبل الحكم السعودي"، والثالث "نجران في الحكم السعودي"، وسيجد القارئ بين ثنايا الكتاب لكثير من الوثائق الهامة التي تؤصل بعض الأحداث التي شهدتها المنطقة في تاريخها الحديث.