لشد ما كانت التجربة القرائية لهذه المجموعة مدهشة حد الوجع، فبين سؤال الوجود الكبير لحضور الأنا في التكوين النفسي للذات وفي التكوين المجمتعي المكون من سلطتين هما الأب من جهة ورجل الأمن من جهة ثانية؛ يجد القارىء نفسه مفعمة برائحة الاستكانة، رغم حضور المسدس الطاغي إلا أن القصص لا تحمل رائحة البارود، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على...
قراءة الكل
لشد ما كانت التجربة القرائية لهذه المجموعة مدهشة حد الوجع، فبين سؤال الوجود الكبير لحضور الأنا في التكوين النفسي للذات وفي التكوين المجمتعي المكون من سلطتين هما الأب من جهة ورجل الأمن من جهة ثانية؛ يجد القارىء نفسه مفعمة برائحة الاستكانة، رغم حضور المسدس الطاغي إلا أن القصص لا تحمل رائحة البارود، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على احتراف الكاتب منير عتيبة لعبة القص، قوة الحرف الهادىء رغم ما يعتوره من تأجج في الدلالة، واتسمت لعبة المفارقة بصفة الذكاء الخاص في التعامل مع فن القصة القصيرة جدا، فوازن بينها وبين الدقة في تتابع الأحداث والتكثيف، كما أحسن في توظيف ظاهرة التكرار في بنية القصة إذ خلقت عملية تكرار المفردة في القصة الواحدة حالة إيقاعية مدهشة تسمح للمتلقي بالمعاودة مرة أخرى للنظر في متن القصة واكتشاف المزيد مما يمكن أن تقوله.لقد اعتاد المتلقي على نمط من بناء العلاقة بين الشعب والسلطة، فعادة تشكل السلطة رمزا للثبات بفعل القوة الذي تملكه والشعب يمثل دور المضطرب الخائف، لكننا نقع في القصص على معالجة معكوسة خلافا للسائد؛ فالسلطة تصبح عند منير هي المضطربة والشعب هو الساكن أو الثابت، لكن ثباته ليس دليلا لقوته بمقدار ما هو دليل حيرته.تنطوي القصص على روح الفرد المتطلعة إلى الخلاص بقوة تدمير الذات بالذات، ويظهر الفرد الشبح أو الفرد الأيقونة، حتى إن البناء يتقاطع في العديد من القصص مع ما يعرف بسريلة الأدب.روح الحكاية عند منير عتيبة أصلها مسدس، وحلها مسدس، لكنه لا يصوب إلى قلب الظلم بل إلى قلب المظلوم، إن إرادة الفرد المسلوبة غير معروف لصالح من هذا السلب، ورغم ذلك يبدو العنوان متمما للنص بكل المقاييس.وكما كان من اللافت حضور الأب الطاغي في ثيمة القصص نلاحظ غياب المرأة بكافة أشكالها، وفي ذلك تساؤل يمكن أن يتشكل هنا: هل بنية القصة القصيرة جدا لا تحتمل ظهور المرأة عنصرا مكونا وهاجسا مؤرقا للرجل الكاتب فى هذا اللون من القصص أم أنها مسألة أخرى ليست ذات ارتباط فني؟لوحظ أن التعاطي مع فن القصة القصيرة جدا بمهنية عالية مكن من بروز مزية أخرى تكاد تكون لازمة في فن القصة القصيرة جدا ألا وهي القدرة على بذر الحكمة في ثنايا القصص، فشدة التأمل والاستغراق في الأنا يمنح النص خروجا إلى الكل بعيدا عن الفردية المطبقة.د. امتنان الصمادي