في شهر أيار سنة 1997 اجتمع في فيينا بالنمسا مسلمون ومسيحيون من أقطار مختلفة، من الشرق الأقصى والشرق والأدنى، من بلدان أفريقية، من نيجيريا وإفريقية الجنوبية، من أميركا وأوروبا. وكان أغلبهم قد اشتركوا في المؤتمر الحواري المسيحي الإسلامي الأول في فيينا الذي عقد سنة 1993 حول موضوع "سلام للبشر". ومن حلقات المناقشة خلال هذا المؤتمر ال...
قراءة الكل
في شهر أيار سنة 1997 اجتمع في فيينا بالنمسا مسلمون ومسيحيون من أقطار مختلفة، من الشرق الأقصى والشرق والأدنى، من بلدان أفريقية، من نيجيريا وإفريقية الجنوبية، من أميركا وأوروبا. وكان أغلبهم قد اشتركوا في المؤتمر الحواري المسيحي الإسلامي الأول في فيينا الذي عقد سنة 1993 حول موضوع "سلام للبشر". ومن حلقات المناقشة خلال هذا المؤتمر الأول نتج موضوع الاجتماع الثاني "عالم واحد للجميع"، إذ جرى تبادل آراء عميق حول مشاكل الحاضر وحول التطورات التي بدت معالمها تظهر في عالمنا. وهكذا قرر أن التوتر الناتج من تفشي عولمة مرافق الحياة كلها في شتى المجالات الاجتماعية، وذلك في البلدان المختلفة وعلى الصعيد العالمين ينبغي أن يكون "الموضوع الرئيسي للمؤتمر اللاحق".إن المشتركين في المؤتمر والرأي العام المتنبه للقضية قد تيقنوا بحق أن هذه البادرة الحوارية التي ورثها وزير الخارجية النمساوية ونائب المستشار الدكتور فولفغانغ شوسل من سلفه في الوزارة الدكتورة ألويس موك، ويرعاها بكثير من الالتفات ويعمل على دفعها إلى الأمام، أن هذه البادرة تكتسب أبعاداً تتعدى الواقع الحاضر وتتجه نحو إنشاء مسيرة حوارية يقابلها الرأي العام الدولي بكثير من التطلعات والآمال. لا شك أن هذا ناتج عن أن أكثر المشتركين في المؤتمر الأول قد دعوا للاشتراك في المؤتمر الثاني وقبلوا هذه الدعوة. وهكذا حصل تواصل في الموضوع، وتعمق في المناقشات، إذا كان من الممكن الرجوع إلى مناقشات المؤتمر الأول والتنبه إلى نتائجه.ويجب الإشارة هنا إلى أن المشتركين -مهما كانت مناصبهم في بلدانهم جماعاتهم الدينية، بل إنهم دخلوا في النقاش وتبادل الأفكار على أساس قناعاتهم الشخصية ووجهات نظرهم المختلفة -مما لفت انتباه الحاضرين خلال المؤتمرين كليهما.إن عنوان المؤتمر "عالم واحد للجميع" تم التوجه فيه إلى ثلاثة قطاعات لها أهمية خاصة عندما يطرح السؤال عن "أسس تعددية اجتماعية وثقافية في نظر المسيحية والإسلام". فبالرغم من وجود طبقات كثيرة في أبعاد مواضيع المؤتمر، علينا أن نتساءل هل يرى المسيحيون والمسلمون، انطلاقاً من دعوى كل من ديانتيهم امتلاك الحقيقة، أن تعددية اجتماعية وسياسية ممكنة إطلاقاً، بما في ذلك التعامل القائم على الاعتراف للآخر بالحقوق عينها وعلى ممارسة التعاون في العمل، سعياً وراء خير الجميع. هل يمكنهم ذلك لا كصيغة مساومة مع ضميرهم في أفضل الأحوال، بل على أساس قناعاتهم الدينية. هذا كان موضوع اليوم الأول. أما في اليوم الثاني، فتم الاشتغال بقضية البنى القانونية والضمانات السياسية للتعددية على الصعيد الوطني والدولي، مع العلم أن هذه النواحي من الموضوع، كمثلها من نواحي المواضيع الأخرى، لا يمكن فصلها الواحدة عن الأخرى، بل هي متشابكة بعضها مع بعض، كما أكّ>ه المحاضرون والمشتركون في دورات المناقشة على حدّ سواء. وأخيراً تركز الاهتمام في اليوم الثالث على "الهوية الثقافية ومسألة ثقافة عالمية"، وهو موضوع متشابك مع المواضيع الأخرى، لا سيما أن الدين في حقل التراث يعد كروح الثقافة وأن النقاش يدور اليوم حول أهمية الثقافة أو الثقافات في السياسة.