في هذا الكتاب يتقصى شخصية شكيب أرسلان ودوره بما يشبه الإحاطة الموسوعية السياسية، عبر الاعتماد على الكتب والوثائق والرسائل التي تروي الكثير مما غمض من ملامح هذا النهضوي الكبير وأحد الرجال القلائل الذين اختصرت قامتهم وأفكارهم وعزيمتهم الوطنية، مساحة وطن وأمة.نبذة النيل والفرات:افتخر شكيب أرسلان بنسبه العربي، ولم يكن هذا الفخر بالن...
قراءة الكل
في هذا الكتاب يتقصى شخصية شكيب أرسلان ودوره بما يشبه الإحاطة الموسوعية السياسية، عبر الاعتماد على الكتب والوثائق والرسائل التي تروي الكثير مما غمض من ملامح هذا النهضوي الكبير وأحد الرجال القلائل الذين اختصرت قامتهم وأفكارهم وعزيمتهم الوطنية، مساحة وطن وأمة.نبذة النيل والفرات:افتخر شكيب أرسلان بنسبه العربي، ولم يكن هذا الفخر بالنسب بمعزل عن الفخر بالأمة العربية وأمجادها، فطالما دافع عن تاريخها وتراثها وحضارتها. وتأتي في هذا الإطار تحذيراته المستمرة لأبنائها من مغبة الانسياق وراء مظاهر التفرنج وتقليدها، حتى تبقى التقاليد العربية نقية صافية محافظة على طابعها القومي العربي، وفي الوقت نفسه طالب العرب أن يقتبسوا من الغرب طرق البحث العلمي والعلوم العصرية الحديثة. كما أكد ضرورة المحافظة على الزي العربي، أمام زحف الزي الأوروبي بوصفه ميزة قومية لا بد من حمايتها من الانقراض.ولم يكن اهتمامه بالمظاهر الاجتماعية والثقافية هذه، إلا انعكاساً لأحاسيسه القومية العميقة، والتي لم تقتصر على هذه المظاهر فحسب، وإنما امتدت على مواقفه ونضاله السياسي أيضاً، الذي غلب عليه طابع الدفاع عن الأمة العربية ضد الأطماع الاستعمارية للدول الغربية، التي اتخذت أشكالاً وصيغاً عديدة سواء في العهد العثماني أم في فترة ما بين الحربين العالميتين. ولقد حذر شكيب عشية الحرب العالمية الأولى من مغبة الانجرار وراء دعوات الانفصال عن الدول العثمانية، مشيراً إلى ما ينتظر المنطقة العربية من مخاطر الاحتلال الاستعماري الأوروبي لها: هذه الملامح تبين مدى أهمية هذه الشخصية التي كان لها دور فاعل في نفوس أبناء الأمة العربية، لذا كان من الضروري تكريس هذا الكتاب لمتابعة سيرته السياسية التي حفلت بنشاط في زمن زخر بالأحداث العالمية وبالتطورات السياسية المهمة.والكتاب هو في الأصل رسالة ماجستير أجيزت بدرجة جيد جداً اقتصر فيها الباحث على تناول حياة ونشاط شكيب أرسلان السياسي، دون الخوض في المجالات الأخرى، كنشاطه الأدبي والتاريخي والصحافي والديني، وهذا يأتي من باب حرص الباحث على رسم صورة شاملة عن هذا النشاط.ولم يكن الإلمام بكافة الجوانب المتعلقة بموضوع هذه الرسالة بالأمر الهين، وذلك لأن نشاطه السياسي امتد لمدة تزيد على نصف قرن وشمل معظم أقطار الوطن العربي في المغرب والمشرق، فكان لا بد للباحث من تتبع هذا النشاط في كل قطر من هذه الأقطار، الأمر الذي جعل الإحاطة بجانب معين منها أمراً يصعب تحقيقه.قسّم البحث إلى أربعة فصول وخاتمة. عالج الفصل الأول سيرة شكيب أرسلان الذاتية بشكل موجز، بدءاً بولادته حتى وفاته، حاول الباحث من خلاله التعرف على أهم المؤثرات الاجتماعية الفكرية والسياسية التي أثرت فيه، كما تضمن عرضاً مركزاً للأحداث السياسية الشخصية التي مرت وتفاعل معها. وتناول الفصل الثاني دوره السياسي في العهد العثماني. واختصّ الفصل الثالث بمعالجة دوره السياسي في القضية السورية-الفلسطينية خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، حيث أجرى عرضاً لنشاطه في عصبة الأمم موضحاً مواقفه من التطورات الداخلية في سورية. وعالج الفصل الرابع نشاطه السياسي في أقطار المغرب العربي، فتناول مواقفه من الاستعمار في هذه الأقطار التي خضعت إلى ثلاث دول استعمارية هي فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، وقد تميزت مواقفه بخصوصية معينة تختلف من واحدة إلى أخرى.وقد اعتمد الباحث في رسالته هذه على مصادر متنوعة لإغنائها وتوثيقها. وتأتي في مقدمة هذه المصادر الوثائق المنشورة، وتلي هذه الوثائق في الأهمية، الرسائل المتبادلة بين شكيب وعدد من الشخصيات السياسية والفكرية، ومنها رسائل محمد عبده إليه، كما احتلت الرسائل المتبادلة بينه وبين عبد السلام بنونة مكانة خاصة في هذا البحث بالإضافة إلى ذلك تعدّ مقالات شكيب أرسلان ومؤلفاته، رافداً ثراً لهذه الدراسة، لأنها تعبّر عن وجهة نظره وآرائه وأفكاره في مختلف القضايا السياسية ومواقفه من أحداث عصره، فضلاً عن تناولها لمسائل كثيرة في ميادين الأدب والتاريخ وقضايا المجتمع والفكر والتراث والثقافة. أضف إلى تلك المصادر الهامة الكتب العربية والمصادر الأجنبية التي تناولت شكيب أرسلان في دراساتها.