أخيراً.. دفعه إلى الداخل، وراح يتلمس زرّ الكهرباء وها هو يتمتم: تعب كلها الحياة من سماع نشرة الأخبار إلى رحلة البحث عن زرّ كهربائي في قرية تدعى كازارتا يسكنها شاب جزائري في السابعة والعشرين من عمره اسمه أحمد... ولم يكن أحمد سوى هذا الجسد الطويل الذي تتداخل فيه شخصيات متناقضة، فهو عند أمه الطفل البريء الذي لم يكبر.. وعند الميليشي...
قراءة الكل
أخيراً.. دفعه إلى الداخل، وراح يتلمس زرّ الكهرباء وها هو يتمتم: تعب كلها الحياة من سماع نشرة الأخبار إلى رحلة البحث عن زرّ كهربائي في قرية تدعى كازارتا يسكنها شاب جزائري في السابعة والعشرين من عمره اسمه أحمد... ولم يكن أحمد سوى هذا الجسد الطويل الذي تتداخل فيه شخصيات متناقضة، فهو عند أمه الطفل البريء الذي لم يكبر.. وعند الميليشيات المجهولة التي كانت تختطف البشر فلا يظهرون بعد ذلك إلى يوم القيامة، يعدّ أحمد مطلوباً، فقد دُوهِمَ بيتها في إحدى الليالي مع مجموعة بيوت أخرى، ونجا إذ لم يعثر عليه هناك... أما عند الحكومة الإيطالية فأحمد مقيم شرعي وربما مرغوب فيه أيضاً. كان قد أنهى صلاة الوتر، بعد أن سبّق عليها جولة في المطبخ اقتطف فيها من كل مادة لقمة، بعدما قرر أن يتفرغ الليلة من همّ الطبخ لقراءة الكتاب. كانت الرواية بغلافها الأسود والدماء الحمراء التي تضرّجه ما زالت كما كان رماها عندما دخل، على السرير. وفي المطبخ يحس الغرباء والمنفيون بشيئين: الظلم الذي جرّعهم كأس الغربة، والعزوبية.. كان وقع حبّات المطر يتسارع في الخارج ليصبح زخّات مثيرة.. كان ما زال يمضغ شيئاً ما حين رمى المنديل الورقي الذي مسح فيه يديه في السلّة، واستقلى على السرير.. وقبل أن يفتح الكتاب راح يحملق في غلافه، كان يحسّ أنه يعرف صاحب هذه البركة القانية التي تضرج وجه الكتاب راح يحملق في غلافه، كان يحسّ أنه يعرف صاحب هذه البركة القانية التي تضرج وجه الكتاب.. ويتساءل بأي حق يحرم الإنسان من دمه ليوهب لشفاه الأرض أو يوضع في دفّة كتاب جامد.. لا يأبه بقيمته، ولا ينبض به حياة.؟!! هل هو دمّ الدارجي، أعم عمّار، أم نور الدين، أم دم العشرين الذين أذيع خبرهم منذ ساعة.. أم هو دمّ عشرات الآلاف الذين سحقتهم آلة الإبادة في الجزائر..؟!! وفتح الكتاب... ليقرأ"."دماء جزائرية في ضباب" رواية في أحداثها فصولٌ لمسرحية أعدّت وتعدّ دقائقها بمطابخ عالمية.. مأساة تقرّع عنها ظلم لشعب قضى ردحاً من الزمن لنيل استقلاله، وبذل لأجله دماء أبنائه رخيصة، والمفارقة بين أمس واليوم بأن هذه الدماء تسحب عنة لتراق في سبيل تحجيم حريته وسحق كرامته. رواية وأحداث وكاتب يحاول إلباس الواقع وبمهارة زي الحكاية.