أمد الله تعالى الإنسان بنعمة اللسان وجعله آلة إفصاحه وبيانه لما في نفسه من معان وإرادات. وفي ذلك يقول الإمام إبن القيم " إن الله تعالى وضع الألفاظ بين عباده تعريفاً ودلالة على ما في نفوسهم. فإذا أراد أحدهم منالآخر شيئاً عرفه بمراده، وما في نفسه بلفظه، ورتب على تلك الإرادات والمقاصد أحكامها بواسطة الألفاظ، ولم يرتب تلك الأحكام عل...
قراءة الكل
أمد الله تعالى الإنسان بنعمة اللسان وجعله آلة إفصاحه وبيانه لما في نفسه من معان وإرادات. وفي ذلك يقول الإمام إبن القيم " إن الله تعالى وضع الألفاظ بين عباده تعريفاً ودلالة على ما في نفوسهم. فإذا أراد أحدهم منالآخر شيئاً عرفه بمراده، وما في نفسه بلفظه، ورتب على تلك الإرادات والمقاصد أحكامها بواسطة الألفاظ، ولم يرتب تلك الأحكام على مجرد ما في النفوس من غير دلالة فعل أو قول، ولا على مجرد ألفاظ مع العلم بأن المتكلم بها لم يرد معانيها ولم يحط بها علماً... فإذا إجتمع القصد والدلالة القولية أو الفعلية ترتب الحكم. هذه قاعدة شرعية، فالأصل أن يتم البيان والتعبير على الإرادة بالنطق باللسان. وينوب عن اللسان في القيام بمهمة البيان، الكتابة أو الإشارة، أو أي فعل يدل على حقيقة المراد. فإن لم يكن ثمة تعبير باللسان أو ما ينوب عنه من كتابة أو إشارة أو غيرها وإلتزم الإنسان السكوت، ثار عندئذ تساؤل عن مدى صلاحية هذا السكوت للتعبير عن الإرادة. وفي هذا الصدد صاغ الفقهاء المسلمون الأقدمون قاعدة فقهية شهيرة تقرر أنه " لا ينسب إلى ساكت قول، ولكن السكوت في معرض الحاجة بيان ". وهذه القاعدة هي التي إرتكز عليها هذا البحث التي رأى الباحث بأنها تعتبر من القواعد الفقهية الكلية، رغم شبهها بالقواعد الأصولية في بعض خصائصها، حيث يندرج تحتها فروع فقهية كثيرة ينطبق عليها حكمها طالما توافر بها المعنى الذي تشمله القاعدة، كما يخرج من بعض جزئياتها عن حكمها، ولا يعد ذلك فادحاً في كليتها، لما علم أن الإستثناء من القاعدة الفقهية لا يتعارض مع كونها كلية عامة، كما لا ينقض من قيمتها العلمية لأن ما يستثنى من هذه القاعدة من فروع يندرج تحت الإستثناءات التي تضمنها الشق الثاني من القاعدة ذاتها. وإن هذه القاعدة تعد من قبيل القواعد التي تصلح لأن تكون دليلاً تستنبط منه لأحكام شرعية. وذلك لأنها تستند في شقيها إلى نصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع الفقهاء في تعريفهم للسكوت والتعليق عليها، وجد أن التعريف المناسب للسكوت في موضوع دراسته هو " موقف سلبي لا يدل على الإرادة إلا عند الحاجة بدليل، لأن هذا التعريف يشتمل على عناصر السكوت وأنواعه وذلك بناء على ما جاء في هذه الدراسة تبين ان السكوت ينقسم وبحسب دلالته على الإرادة إلى سكوت مجرد، بسيط، لا دلالة له على الإرادة، وسكوت معبر عن الإرادة إستثناء، كما ينقسم من حيث مصدره إلى: سكوت صادر من المخاطب وإلى سكوت صادر من المشرع، وهو ما يعرف بالسكوت التشريعي، ولأن هذا الأخير يختلف عن الأول، الصادر من المخاطب، من حيث مصدره ومجاله لذلك تحدث عنه الباحث إجمالاً في بداية بحثه ليفرغ من ثم إلى الكلام الصادر من المخاطب. كما ظهر له أن التعريف الإصطلاحي للسكوت لا يخرج عن إطلاقاته التي ورد بها في القرآن الكريم والسنة النبوية. بالإضافة إلى ذلك هناك ما وجده الباحث في إطار التمييز بين السكوت وما يشتبه به من وسائل للتعبير عن الإرادة وكما لاحظ من خلال هذه الدراسة أنه لا فارق كبير بين ما تقرر في الفقه الإسلامي وبين ما أخذ به القانون الوصفي في هذا المجال. وفي النهاية أوصى الباحث بمزيد من الإهتمام بدراسة القواعد الفقهية وشروحها وتبين آثارها الفقهية المترتبة عليها، وذلك بدراسات فقهية معاصرة متخصصة.