نبذة النيل والفرات:إن من الرجال الذين يزدان بهم تاريخ أمتنا الحافل بالآيات الساطعة على قدرتها وأصالة فكرها، والذين سهلوا النظر في عظيم تشريعات هذه الأمة، وإظهار مكنوناتها وكنوزها الفكرية، عالماً جليلاً، برز في عهد عصيب، فأبلى البلاد الحسن في تدوين الجليل من الفروع الفقهية على وفق المذهب الشافعي، والشذرات المضيئة من لوامع السياسة...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:إن من الرجال الذين يزدان بهم تاريخ أمتنا الحافل بالآيات الساطعة على قدرتها وأصالة فكرها، والذين سهلوا النظر في عظيم تشريعات هذه الأمة، وإظهار مكنوناتها وكنوزها الفكرية، عالماً جليلاً، برز في عهد عصيب، فأبلى البلاد الحسن في تدوين الجليل من الفروع الفقهية على وفق المذهب الشافعي، والشذرات المضيئة من لوامع السياسة الشرعية والنوادر العملية من الأحكام الدينية، والفضائل الخلقية، والآداب الاجتماعية، فأعطى للساسة والقادة والعامة نماذج رائعة للحكم والقيادة والسلوك، ذلكم هو أقضى القضاة الإمام أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري الشافعي (المتوفي 450هـ) الذي تم في هذا الكتاب تحقيق أحد كنوزه الفكرية في المجالين السياسي والاجتماعي وهو كتابه (تسهيل النظر وتعجيل الظفر).نشأ الماوردي في أسرة تحب العلم، وعاش حياته في تواضع مع منصب وجاهة وماله الوفير، وفي صراحة بالغة، مع وجود المتملقين، وفي تأليف غزير، مع انشغاله بالأحداث الجسام، فكان أمراً عجيباً، حتى حكيت عنه الكرامات. ولقد بلغ من العلم أن تسنم زعامة الشافعية في عهده، ونظر إليه الفقهاء نظرة إجلال يقتبسون آراءه، لما عهد فيه من سلامة الاجتهاد وغزارة الحفظ، مما جعله يوسع الفقه الشافعي ويزيد من تفريعاته باجتهاده الواسع. لقد كان الماوردي فقيهاً، مقسراً، أصولياً، أديباً، شاعراً، لغوياً، مؤرخاً، مربياً، قاضياً، سياسياً، صوفياً، جغرافياً، فيلسوفاً، محدثاً. وقد كان للماوردي عدة مؤلفات في التفسير والفقه والنحو والأدب والسياسة. وكان لمؤلفاته مكانة خاصة؛ فقد أفرد أربعة كتب للسياسة فضلاً عن كتابه (الحاوي الكبير) الذي تناول فيه عموم الفقه وفقه المذهب الشافعي وآراء هذا المذهب في كل فرع صغير أو كبير، وفصلاً عن تفسير (النكت والعيون) الذي شرح فيه آيات كثيرة تتناول السياسة وآداب السلطة. تلك الكتب هي الأحكام السلطانية، وأدب الوزير، ونصيحة الملوك، وتسهيل النظر الذي هو مدار التحقيق في هذا الكتاب، وتبدو قيمة هذا الكتاب وأهميته العلمية في كونه تأليف رجل واسع الثقافة غزير المادة، فقد اعتمد على مصادر كثيرة، واستمد من روافد متعددة، وهو إلى جانب ذلك قد تقلب في معترك الحياة السياسية فدرسها دراسة الخائض لغمراتها، والمكتوي بنارها، في خضم الأحداث العصيبة، فلقد شهد عصراً اضطربت فيه الحياة السياسية وتقلبت فيه أمور الخلافة بين مدّ وجزر، ورفع وخفض، وكان في تقلده منصب أقضى القضاة ومنصب السفارة بين الدول ما جعله يطّلع على أحوال الملوك وسيرهم اطلاعاً عميقاً، فجاء كتابه مستخرجاً مما خبره ورآه، فكان شهادة الخبير بما خبر، والعليم بما علم.