اقترح الكثيرون علي، ممن عرفوا صلتي برفعت صدقي النمر وبصداقتنا التي امتدت أكثر من أربعة عقود متواصلة، أن أعبر عن محبتهم ومحتبي للفقيد بوضع كتاب عنه، يؤرخ حياته ويكشف عن أفكاره وآرائه ويسجل أعماله ويقيم خدماته ومشاريعه وإنشاءاته. إلا أني ارتأيت أن أسلك سبيلاً آخر في تكريم الرجل وإحياء ذكراه. فالكتابة عنه مباشرة وبالتفصيل كانت الما...
قراءة الكل
اقترح الكثيرون علي، ممن عرفوا صلتي برفعت صدقي النمر وبصداقتنا التي امتدت أكثر من أربعة عقود متواصلة، أن أعبر عن محبتهم ومحتبي للفقيد بوضع كتاب عنه، يؤرخ حياته ويكشف عن أفكاره وآرائه ويسجل أعماله ويقيم خدماته ومشاريعه وإنشاءاته. إلا أني ارتأيت أن أسلك سبيلاً آخر في تكريم الرجل وإحياء ذكراه. فالكتابة عنه مباشرة وبالتفصيل كانت المادة الأساسية للعشرات من المقالات والمئات من كلمات الرثاء التي أعقبت رحيله. كما إن مقاطع من ذكرياته وخواطره جرى تسجيلها وآمل أن تجد طريقها إلى النشر قريباً -وإن كانت آسف كل الأسف لأن الفقيد لم يسجل مذكراته كاملة، الأمر الذي يحرم المؤرخ خاصة والقارئ عامة من متابعة سيرة هذا الرجل الكبير بتفاصيلها وتعاقب مراحلها الزمنية والمكانية والنوعية.لذلك فضلت أن يكون تكريمنا لرفعت النمر، ونحن نقترب من الذكرى السنوية الأولى لرحيله، بطريقة أخرى. وربما هي طريقة غير شائعة ولا مألوفة كثيراً في أدبنا وثقافتنا العربيين مع أنها أسلوب شائع جداً ومألوف في الآداب الجامعية والأكاديمية في الحضارات الغربية المعاصرة. وقد أخذ هذا الأسلوب الأجنبي المولد في تكريم بعض كبار رجالاتنا يظهر عملياً في مكتباتنا، حيث استعمله بعض مؤسساتنا في تكريم حوالي العشرين من رجالات الفكر والعلم وأساتذة الجامعات العرب البارزين منذ أواسط القرن العشرين. ولعل الأسلوب يتكرر في نتاجنا الثقافي ليحقق غرضه الراقي بتحية أعلام لهم في دممنا الشيء الكثير الذي يوجب علينا أن نسهم في إيفائهم بعض حقوقهم علينا.هذا الكتاب الذي يشرفني أن أعده وأحرره وأشرف عليه، إذا، ليس عن رفعت صدقي النمر، لكنه، يشكل أو بآخر، يعرفنا على رفعت صدقي النمر، على شخصه وشخصيته وأفكاره وأعماله، تعريفاً ديقياً وشاملاً وربما لا يقل عما تعرفنا عليه سيرة تقليدية لحياته أو لجمع لكلمات الرثاء وزفرات الأسى وعبارات الترجم، وذلك عن طريق غير مباشر.