ساد هدوء تام شديد الغموض على ذلك المكان من صحراء (الدهناء) الواقع بين (بيرين) و(خفس دغره)، وبدت الرمال قبيل شروق الشمس وعلى ضوء القمر بيضاء نقية، وإستمر السكون للحظات، قبل أن تظهر في الأفق عدة مركبات فضائية طائرة، وبضع أناس طائرون حولها بلا مركبات، ثم هبطت مركبات كتب على جانبها (دوريات الأمن بمنطقة الرياض) وهبطت معها مركبات كتب ...
قراءة الكل
ساد هدوء تام شديد الغموض على ذلك المكان من صحراء (الدهناء) الواقع بين (بيرين) و(خفس دغره)، وبدت الرمال قبيل شروق الشمس وعلى ضوء القمر بيضاء نقية، وإستمر السكون للحظات، قبل أن تظهر في الأفق عدة مركبات فضائية طائرة، وبضع أناس طائرون حولها بلا مركبات، ثم هبطت مركبات كتب على جانبها (دوريات الأمن بمنطقة الرياض) وهبطت معها مركبات كتب عليها (المتحف الوطني)، وبعد أن إستقرت على الرمال هبط من الهواء الرجال الذين يرتدون زياً شبيهاً بما كان يرتديه رجال الفضاء في القرن الحادي والعشرين... وتساءل أحدهم: هل هذا هو المكان المحدد؟ خرج من مركبات الدوريات رجال الأمن بزيهم المعهود. وخرج من مركبات المتحف رجال بالزي الوطني. أجاب أحدهم: نعم هذا المكان الذي حددته الوصية... وتوجه أحد رجال الأمن لرجال المتحف الوطني بسؤاله: ماهذا الكتاب الذي تبحثون عنه؟ وكيف عرفتم أنه هنا؟ أجابه أحد رجال المتحف، إنه كتاب قديم للغاية صدر قبل عشرات السنين... في ذلك الوقت تمت طباعة كميات كبيرة منه إلا أن معظمها ضاع وإندثر، وبقي ذلك العمل مخزوناً في المكتبات الإلكترونية بعد أن تلاشت ظاهرة الكتب والأوراق المطبوعة التي كانت موجودة في عهد أجدادنا. أما نحن فلم نكن لنعلم أن أحد تلك النسخ الأثرية موجود في هذا الموقع إلا بعد أن إتصل بنا مكتب أحد رجال الأعمال المثقفين والذي توفي ليلة أمس، ثم أخبرونا بأنه أوصى بمنح مكتبته لمكتبة الملك فهد الوطنية، وأن وصيته حددت للمتحف الوطني كتاباً تم رسم موقعه بدقة في الوصية، ويقولون إنه أندر نسخ الطبعة الأولى. بدأت الشمس تشرق ورجال وكالة الجيولوجيا يخرجون من الفتحة التي صنعوها صندوقاً معدنياً من الذهب الخالص، حمله أحدهم ووضعه على الرمال... وإزداد الجو هدوءاً وغموضاً، قبل أن يفتح رجال المتحف الوطني الصندوق الذي لم يكن مغلقاً بإحكام، ثم أخرج أحدهم ورقة تشققت أطرافها كانت مكتوباً عليها بخط اليد: فوق حمام السحب وإن كنت ثرى/ فوق عالي الشهب يا أغلى ثرى، مجدك لقدام وأمجادك ورا/ وإن حكى فيك حسادك ترى، ما درينا بهرج حسادك أبد/ أنت ما مثلك بها الدنيا بلد. قرأ الرجل بصمت تلك الكلمات التي كتبها الشاعر الأسطورة الأمير بدر بن عبد المحسن... إلا أنه تجاوز ما يشعر به وأعاد الورقة إلى داخل الصندوق، ثم أخرج كتاباً غطاه الغبار تأمله لحظة ثم أعطاه إلى رجل الأمن. وعندما أمسك رجل الأمن الكتاب تسائل في أعماقه عن سر ذلك الهدوء الشديد الذي يخيم على المكان، ثم أدرك السبب عندما نفض الغبارعن الغلاف وهمس في نفسه "أنه سكون غير عادي تتبعه العواصف". وإبتسم إبتسامة هادئة حين بدأت الريح تدمدم في المكان بالفعل، ثم أخذت الكثبان الرملية الأصيلة تقاوم حركة الرياح المتزايدة. والرجل يكمل في نفسه: "إن أمجاد الأوطان ترتبط دائماً بأخلاق الأنثى فيها، بكيان الأنثى... أما بناء الأوطان والصراع من أجل بقائها وحماية أمنها، فإنه لا يحصل إلا بصلاحية الرجال..." قطع جملته وأخذ بلمس أثر الجرح على غلاف الكتاب... ثم ألقى نظرة على عنوانه، وأكملت عيناه: "الحرب... لعبة". من خلال الرمزية يحاول الكاتب تجسيد الواقع السعودي بإرثه من عادات وتقاليد وأفكار هذا الإرث الذي وإلى القرن الثاني والعشرين أصبح مختلفاً فقد أصابته رياح التغيير والتحديث، فبعد أن كانت الأنثى مهمشة أصبحت لها مكانتها في بناء مجتمعها جنباً إلى جنب مع الرجل. الرجل الذي حمل وما زال يحمل على عاتقه عبئ حماية الأوطان. يحاول الكاتب الدفع بهذه المعاني من خلال شخصياته التي إختارها بعناية، وسردياته التي أطلقها بأسلوب شيق تتآثر هذه العناصر معاً فتعطي ذاك الحس الإبداعي لهذا العمل الروائي.
