يضم هذا الكتاب بين طياته أطروحة هي ثمرة سنين من الدراسة الموضوعية العميقة تناول فيها المؤلف جميع جوانب تاريخ الدولة الحفصية، من بداية القرن الثالث عشر ميلادي إلى نهاية القرن الخامس عشر. وقد توقف عند هذا الحدّ، رغم أن الدولة الحفصية لم تنقرض رسمياً إلا في حدود سنة 1574، باعتبار أن العصر الوسيط ينتهي، حسبما هو متعارف عليه، في نهاي...
قراءة الكل
يضم هذا الكتاب بين طياته أطروحة هي ثمرة سنين من الدراسة الموضوعية العميقة تناول فيها المؤلف جميع جوانب تاريخ الدولة الحفصية، من بداية القرن الثالث عشر ميلادي إلى نهاية القرن الخامس عشر. وقد توقف عند هذا الحدّ، رغم أن الدولة الحفصية لم تنقرض رسمياً إلا في حدود سنة 1574، باعتبار أن العصر الوسيط ينتهي، حسبما هو متعارف عليه، في نهاية القرن الخامس عشر ميلادي.ومما تجدر الإشارة إليه أن الأستاذ برنشفيك قد سلك في تأليف كتابه منهجاً في بحثه لم يسبقه إليه أحد، فقد أوضح جميع أطوار تاريخ الدولة الحفصية التي بسطت سلطانها في وقت من الأوقات، على كامل المنطقة الممتدة من طرابلس شرقاً إلى بجاية غرباً، والمعروفة لدى المؤرخين المسلمين باسم "إفريقية". وسلّط الأضواء على مختلف مظاهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية في عهد سلاطين بني حفص، ووصف نظمهم ومؤسساتهم، ودرس علاقاتهم مع الدول الأوروبية والدول الإسلامية الأخرى، متوخياً في كل ذلك منهج الضبط والتحري والتدقيق في نقل الأخبار وتحليليها وتأويلها والإشارة إلى مصادرها ومراجعها.وقد استعان في ذلك بكل ما جمعه من وثائق ومخطوطات ومصنفات، وفي طليعتها تاريخ ابن خلدون الخالد الذكر، "كتاب العبر"، معتمداً بالخصوص على ترجمة دي سلان، التي صدرت بالجزائر، تحت عنوان "تاريخ البربر".ولكنه لم يكتف بالمصادر الإسلامية، بل استعان أيضاً بالوثائق والمستندات المسيحية المحفوظة في مختلف المكتبات وخزائن الوثائق، في العواصم الأوروبية، وذلك بالخصوص لدراسة العلاقات الديبلوماسية بين الدولة الحفصية وسائر الدول الأوروبية، ووصف وضعية الجاليات الأجنبية المستقرة عهدئذ في إفريقية.وقد حرص المؤلف في مقدمة الكتاب على تحليل جميع تلك المصادر تحليلاً علمياً جديراً وبالتنويه. ورغم مرور زهاء النصف قرن على تأليف تلك الأطروحة، وظهور عدة كتب حول التاريخ الحفصي، منذ ذلك العهد، فضلاً عن المقالات والدراسات التي نشرت في المجلات الصادرة في الشرق والغرب، ورغم ما شهدته البحوث التاريخية والأثرية من تطور في الأثناء، فإن كتاب الأستاذ برنشفيك لم يفقد قيمته التاريخية، وما زال يعتبر مرجعاً أساسياً لدراسة تلك الفترة الحاسمة من تاريخ المغرب الإسلامي.