جون ميلتون


ولد جون ميلتون في التاسع من ديسمبر سنة 1608 في إحدى ضواحي لندن، وقد نشأ ميلتون في بيئة يغلب عليها طابع التدين الممتزج بقدر كبير من الالتزام، وكذلك عُرف عن هذه الاسرة حبها الشديد للعلم، ويذكر التاريخ ان جده عانى الكثير في عصر الملكة اليزابيث وذلك بسبب اعتناقه للمذهب الكاثوليكي، ومن المعروف أيضا ان أباه كان شغوفا بالموسيقى، فضلا عن كونه مؤلفا وملحنا موهوبا، وربما كان حب ميلتون للموسيقى نابعا من التصاقه الدائم بأبيه، وبذلك امتدت روافد العطاء من الأب للابن، ولاشك ان الموسيقى تركت بصمات ـ لا يمكن تجاهلها ـ على آراء ميلتون حيث كان يرى انها وسيلة مهمة لجعل الشعر أكثر فاعلية وتأثيرا.ومن الواضح ان ميلتون عاش حياة مليئة بالمتاعب والمآسي المفجعة، فقد كانت المصائب تأتي تباعا، الواحدة تلو الأخرى، حيث فقد ابنه الأصغر في سنة 1652، ثم ما لبث ان فقد زوجته في العام نفسه، وبعد ذلك يستمر مسلسل الأحزان حيث يفقد بصره في العام نفسه، وبعد أربع سنوات يتزوج مرة أخرى حين يفقد زوجته الثانية وطفلتها الرضيعة، وفي سنة 1663 يخوض ميلتون غمار تجربة جديدة حيث يرتبط بسيدة تدعى اليزابيث ميتشال، ويظل يتخبط في هذه الحياة حتى يختطفه الموت في سنة 1674 وتنطوي آخر صفحة من صفحات حياته.لقد كان ميلتون مولعا بالحرية وأولاها اهتماما كبيرا، وقد كان واضحا في كتاباته، وقد اتخذ رأيا عجيبا في هذا الصدد ودائما كان يقول ان الكفاح من أجل الحرية يتمثل في لغة التمرد، وربما كان في ذلك متأثرا بالافكار السائدة في عصره حيث كانت حياة الفرد المسيحي عبارة عن صراع تقليدي يتم بين ثنايا النفس البشرية التي كانت أشبه ما تكون بميدان للقتال، وطرفا المعركة هما المسيح والشيطان وكانا يتصارعان من أجل الفوز بهذه النفسية البشرية.ويرى ميلتون ان العقل الذي منحه الله للإنسان تظهر آثاره في قدرة الإنسان على الاختيار، ومن هنا فإن الفضيلة تعتمد على مدى قدرة الإنسان على تبني اختيارات صحيحة.ويعتقد ميلتون ان الفرد الصالح قادر على ان يقوم باتخاذ قرار منطقي وعقلاني في كل لحظة وفي أي موقف يتعرض له في حياته اليومية. ويتضح ذلك جليا أيضا في الفردوس المفقود. ومن الطبيعي ان تكون معظم شخصياته تعكس نجاحا منقطع النظير في مقاومة الاغراءات بنجاح، والقدرة على تبني اختيار بين اتجاهين متناقضين ـ الخير والشر.وهذا الموضوع يشغل جزءا كبيرا من مساحة أعماله الادبية، ولاشك ان اختياره للشعر المرسل في الفردوس المفقود يبدو أكثر من مجرد اختيار جمالي، فهو يرى ان الحرية مثل الجنة تم فقدها ولكن يمكن استعادتها مرة أخرى.تأثر ميلتون إلى حد كبير بالنظرة الدينية للمرأة، فلم يقدم ميلتون الحب الجسدي كما فعل غيره، فقد كان بعيدا كل البعد عن الدول في مغبة التصوير الجسدي، وهذا ربما يكون متناقضا مع ظروف عصره، ومن الواضح من كتابات ميلتون انه لم يستخدم ألفاظا مثيرة في تجسيد تأوهات العاشقين المعذبين أو في التحدث عن العواطف الملتهبة والتعطش التقليدي للمآرب الجنسية. وهذا ربما يجعلنا نحس ـ كما يقول أحد النقاد ـ ان هذا النوع من الحب يمثل اغراء حقيقيا لميلتون نفسه. وبالرغم من أن كثيرا من قصائده تناولت موضوع المرأة الا انها كانت خالية من أي نوع من الدناءة أو الانحطاط.كان ميلتون صاحب مدرسة أدبية في الشعر، ويعده النقاد من بين عظماء الشعر الإنجليزي، لدرجة انهم وضعوه جنبا إلى جنب مع وليام شكسبير، وهذا خير دليل على موهبته الأدبية الفذة وقدراته الكبيرة في هذا المجال.


الصفحة الرئيسية