إريك هوبزباوم


ولِد هابزباوم في الإسكندرية ونشأ في فيينا وبرلين في زمن صعود النازية، ثم انتقل مع ذويه إلى لندن سنة 1933 وكان له من العمر 15 عاماً. في الثامنة عشرة من عمره انضمّ إلى الحزب الشيوعي الإنجليزي فكان لالتزامه السياسي تأثير كبير على حياته ونتاجه الفكري، فقد بقي ماركسياً حتى آخر أيامه، على الرغم من تراجع الحركات والأحزاب الشيوعية في العالم. بقاؤه وفيّاً للفكر الماركسي طيلة حياته جعل منه مؤرخاً فريداً بين المؤرّخين المعاصرين، وما أمكن له أن يكون كذلك، لو أنه تحوّل إلى مؤرّخ ليبرالي أو مؤرّخ محافظ. أثّرت أعماله في أجيال كاملة من المؤرّخين والسياسيّين. كان يعتقد أن عالماً جديداً وُلِد في الدم والدمع والألم، من الجوع والثورة والشعب. لكن انهيار الغرب - كما يقول في مذكراته - «هو ما ولَّد لديّ الانطباع بأن هذا النظام الجديد، حتى ولو كان قاسياً وتجريبياً، سيكون أفضل من الغرب، هو أو لا شيء».هابزباوم يهودي لا تهمّه الثقافة اليهودية لا ممارسةً ولا مرجعيةً طقسية أو دينية. بقي ثابتاً في فكره الماركسي، على الرغم من الطلاق المريع بين مبادئ الماركسية المثالية وما آل إليه واقع العالم بعد التطوّرات التي شهدها خلال السنوات الخمسين الماضية. في «رسالة إلى العالم» نشرتها صحيفة «ذا غارديان» البريطانية في شهر تشرين الثاني (يناير) 2009 دان هابزباوم «مذابح غزّة على يد الجيش الإسرائيلي المستمر في الهجوم على فلسطين منذ 60 عاماً». وأسّس مع مثقفين يهود بريطانيّين هيئة «أصوات يهودية مستقلّة»، شدّدت على تمايزها عن إسرائيل وعلى أن الانتماء اليهودي يمكن أن يكون أيضاً غير عنصري ومعادياً لإسرائيل. وتضمّ الهيئة 120 شخصية يهودية مرموقة، بينها الفيلسوف اليهودي برايان كلاغ، وعالمة النفس سوزي أورباش، والكاتب المسرحي هارولد بينتر والبروفسور آفي شلايم والممثل المرموق ستيفن فراي ومصمّمة الأزياء نيكول فارحي وبعض الأكاديميّين والفنّانين البارزين. وجاء في إعلانها الأساسي: «ليس ثمة ما يبرّر أيّ شكل من أشكال العنصرية، بما في ذلك اللاسامية، والعنصرية المعادية للعرب أو الخوف من الإسلام في أي ظرف من الظروف. إن المعركة ضدّ اللاسامية حيوية، لكن يجري تقويضها كلّما وُصِفت معارضة سياسات الحكومة الإسرائيلية تلقائياً بأنها معادية للسامية».كان هذا المؤرّخ نرجسياً إلى حدّ كبير، وإن كان موضوعياً أيضاً يُبدي برودةً قصوى تجاه أحداث القرن العشرين المأسوية، وما أكثرها! فكانت تلك البرودة عاصمةً له من الوقوع في ما وقع فيه الكثيرون من مؤرّخي الحركات اليسارية في الغرب. يقول في مذكراته: «شاهدتُ بأُم عيني زوال الإمبراطوريات الاستعمارية وهي تنهار الواحدة تلو الأخرى.. شاهدتُ دولاً عظمى تتفكّك وتتراجع إلى مصاف الدول الثانوية في العالم. شاهدت انهيار الرايخ الثالث الألماني الذي كان يتوقَّع أن يخلد ألف سنة، كما شاهدتُ انهيار سلطة ثورية كانت تعتقد اعتقاداً راسخاً أنها ستخلد إلى الأبد. ولا أراهن كثيراً على أنّني سوف أشهد نهاية «العصر الأميركي» لكن بوُسعي أن أقول واثقاً، ومن دون أن أجازف بارتكاب خطأ، بأن بعض قرّاء هذا الكتاب سوف يشهدون زوال ذلك العصر».


الصفحة الرئيسية