علي بن مسلم


بدأ حياته العملية على الخط المستقيم واختتمها وهو في ذات الوجهة. تصارعت على أولوية احتلال نفسه المطمئنة بإذن الله فضائل يقودها الوفاء وفي معيته الصدق والإخلاص في خدمة الوطن والتواضع في التعامل مع الناس، ينحدر من أسرة عريقة لها مكانة مرموقة بين أهل نجران، وهو معروف بجزالة العطاء سرا لذوي الحاجة، مثقف يكتب بهدوء المتمكن القادر على فك رموز خارطة القول، وفي مجمل ما يدون يظهر أن لديه قناعة مبنية على رؤية عميقة مؤداها أن مولود الفكر والفعل كائن اسمه الحضارة، هذا ما أعرفه.وعن بعض وجهاء نجران الكرام، أنه من المخلصين في العمل الأوفياء للدولة، لا يخضع للصوت المرتفع ولا يتأثر به في تعامله مع المسائل أيا كان نوعها، الحجة هي المعيار الذي يركن إليه، وتهمه بالدرجة الأولى المصلحة الوطنية العليا ويعمل على سيادة هذا المفهوم المنتج للخير، مقل في الحديث إلاّ عن الوطن وكثيرا ما يؤكد أن خدمة الإسلام رسالة الدولة وأن إشاعة العدل رؤية القيادة، وعنهم أنه كان من الحريصين على التنمية المفاخرين بإنجازات المملكة، ملم بالمشاريع التنموية في معظم أرجاء البلاد، ويستعرضها كلما سنحت الفرصة كشواهد على الحضور الفعلي للتنمية التي تستهدف الرقي بالإنسان السعودي أينما كان، ومما يذكر عنه أن في سلم أولوياته درجة رفيعة لتحسين بيئة العمل بما يكفل رفع معدل الانتماء للمؤسسة الرسمية كمدخل لما هو أكبر ويعمل جاهدا لترجمة اهتمام الدولة بالأعمال التي من شأنها أن تحقق للناس الحياة الكريمة إلى جانب المقبول من الرفاهية بالآليات المناسبة دون ضجيج.في مرآة الأرض وعيون الناس، هذا هو المرحوم معالي الشيخ علي بن حسين بن مسلم (مستشار خادم الحرمين الشريفين) الملك فهد بن عبدالعزيز (رحمه الله)، وفي سيرته الذاتية أن حياته العملية انطلقت من إمارة نجران التي غادرها مثقلا بخبرة عملية متنوعة وتطلعات وطنية مميزة بحكم فطنته وقربه من أمير المنطقة آنذاك –خالد السديري، لينضم إلى جامعة فريدة في إنسانيتها ودبلوماسيتها وعمق رؤيتها لازم من خلالها مؤسسها ورائدها سلطان بن عبدالعزيز (رحمه الله)، ليستكمل روافد البناء الذاتي، وقد نهل من علوم المكان واستنار بفكر راعيه وتوجيهاته ما أهله لمرافقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز مستشاراً بمرتبة وزير في ظروف متقلبة وتحديات صعبة أثبت من خلالها وجوده.ومن الحقيقة أن في واقع مسيرته العملية وتدرجه الوظيفي (صناعة عقل) وهذا ما يمكن فهمه من محتوى مؤلفه كتاب -رأي للتفكير- الصادر عن دار الساقي عام 2005 والمشتمل على مقالات نشرت بين العامين 1985 و1986، حدس فيها ابن مسلم «بما يعيشه العالم العربي اليوم من تفشي ظاهرة الإرهاب، وحذّر منها، والكتاب دعوة جريئة إلى إعمال العقل فيما يتهدد العالم العربي من مخاطر.وهو دعوة إلى احترام التفكير، وضرورة المصالحة بين الأنظمة والشعوب، واحترام حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير»، وفيه أيضا إشارة واضحة إلى ضرورة العمل على مساواة المرأة بالرجل وإعطائها حقوقها.لكل دولة رجالها كما يشاع، وفي مراحل تاريخ الأمم المتقدمة مفاصل لتخليد ذكرى البارزين من أبنائها، نعم، لكل بلد طريقته الخاصة في عرض سير البارين به المقرين بفضله المجاهدين من أجله، وفي العموم تختلف أساليب الإشارة إلى جهود الرموز الوطنية وتجسيدها من مكان إلى آخر غير أنها تتفق في الإعلان الدائم عنها حيث ينطق التاريخ بأهمية ما قدموه في الماضي من جهود ساهمت في رسم معالم الحاضر، ويعترف من جهة أخرى بجميل صنيعهم في خدمة المستقبل وفي هذا الصدد تجسد الدول على خرائط المدن وفي بطون ميادينها وطرقاتها وخلاف ذلك من المعالم اللافتة ما يحفظ ذكرى الشرفاء من مواطنيها للتعبير عن مكانتهم والإشادة بجهودهم.في هذا الاتجاه أتمنى على صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز أمير منطقة نجران، وضع اسم رجل الدولة، الشيخ علي بن مسلم على خارطة نجران وفي مكان يليق به، وسموه رمز الوفاء وأهله، وخير العارفين بأن ثمة لغة صامتة يمكن لها أن تُحدّث الأجيال عن الوفاء وقيمة الأوفياء المتفانين في بناء أوطانهم.


الصفحة الرئيسية