يتصدى هذا الكتاب لنقد الفكرة القائلة إن ما جرى في تونس ومصر لم يكن تغييرًا للنظام وإنما هو عملية مدروسة لانتقال السلطة، ويدحض المؤلف هذه الفكرة التي أشاعها باحثون أميركييون من أمثال ريفا بهالا، مديرة الأبحاث في مؤسسة ستراتفور الأميركية المتخصصة بالاستخبارات، ويرى أن ما حدث في تونس ليس مجرد اضطرابات أو قلاقل احتجاجية عابرة، بل هو...
قراءة الكل
يتصدى هذا الكتاب لنقد الفكرة القائلة إن ما جرى في تونس ومصر لم يكن تغييرًا للنظام وإنما هو عملية مدروسة لانتقال السلطة، ويدحض المؤلف هذه الفكرة التي أشاعها باحثون أميركييون من أمثال ريفا بهالا، مديرة الأبحاث في مؤسسة ستراتفور الأميركية المتخصصة بالاستخبارات، ويرى أن ما حدث في تونس ليس مجرد اضطرابات أو قلاقل احتجاجية عابرة، بل هو مقدمة لعصر جديد من الوقائع والأفكار والتغيرات، فإذا كانت ثورة تونس غيرت رؤساء وحكومات ومعارضات، فكيف لا تغير مفاهيم ونظريات ما عادت قادرة بعد الحدثين التونسي والمصري على الدفاع عن مشروعيتها ووجودها واستمرارها؟ طارحا العديد من الأسئلة عن علاقة الثورات، بما فيها تلك التي تحدث في دول المركز، بالعوامل الخارجية والقوى التي تتحكم في المجال الجيوسياسي. يستعرض المؤلف في الفصل الأول الذي اختار له عنوان: ثورة وثلاثة أسماء، القراءة الأمريكية للربيع العربي وكيف تم وسمها بثورة الانترنت حيث تحدثت وسائل الإعلام الأميركية عن دور الانترنت في ما يحصل في تونس وعن ويكيليكس باعتبار أن المدونات وموقع "فايسبوك" ووثائق ويكيليس قامت بدور كبير في انطلاق الأحداث في تونس. فيما يرى المؤلف أن النظر إلى ثورة تونس في بُعد واحد هو البُعد التقني و «الإنترنتي » يمثّل قصورًا في النظر إلى الحوادث التي جرت أكان ذلك في تونس أو في مصر. فانعدام الديمقراطية، وارتفاع نسبة البطالة، وتطويق الحريات، واحتكار أصهار الرئيس زين العابدين بن علي جميع المؤسسات الاقتصادية، وانتشار الفساد والمحسوبية، كل ذلك لا يمكن أن تختزل دلالاته، بقدرة قادر، إلى دلالة المدوّنة أو الموقع أو الشبكة العنكبوتية. ويتابع في ذات الفصل استعراض القراءات الغربية فيتحدث عن القراءة الروسية للثورة التونسية والتي اختارت لما يحصل اسم ثورة التمور، على اعتبار أن ما يعرفونه في تونس هو جنوب الواحات، وقد كان هذا الوسم أقل عمقا بكثير من الوصف الأميركي للثورة على أنها ثورة الانترنت، بينما كانت التسمية التي اختارها الإعلام الفرنسيّ لما حصل هي ثورة الياسمين غاضًا الطرف عن دعم الحكومات الفرنسية لنظام بن علي ويعود المؤلف إلى التاريخ في الفصل الثاني والذي حمل عنوان: "من ربيع العربان إلى ربيع الشعوب" في محاولة للإجابة على سؤال علاقة الثورات بالعوامل الخارجية والقوى التي تتحكم بالمجال الجيوسياسي، عبر استقراء ما حصل في ثورة علي بن غذاهم 1864 والتي تتشابه في أسباب وقوعها مع ثورة 2011 مقارنًا بين الوثائق الفرنسية والوثائق الإنجليزية ما دام الفريقان يتبادلان الاتهام ويحمّل كلٌّ منهما الآخر مسؤولية إشعال فتيل الثورة، من دون اهتمام بالقبائل والزوايا وقصر باردو وكامل رعايا الإيالة والحالة الاجتماعية والسياسية إلا بالقدر الذي تتطلبه روايتيهما للحوادث، كأن حوادث 1864 دمى في أيدي القوى العظمى لا شأن لأبناء البلد به. وفي فصل الجمهورية الثانية يتحدث الكاتب عن أن الجماهير التي نزلت إلى الميادين قد هدفت إلى القطع مع مظاهر الجمهورية الأولى، جمهورية الشرطة ومطاردة المعارضين التي أسسها بورقيبة وأتمّها بن علي مدير أمنه، والقطع مع المزايدات على حقوق المرأة لإخفاء فشل التنمية، والقطع مع الحزب الواحد أو دولة الحزب أو حزب الدولة الذي قطع السبيل أمام تداول السلطة، والقطع كذلك مع جمهورية السياحة والترانزيت واقتصاد الخدمات والرشوة، والقطع مع جمهورية المعارضة الموسمية ومع مقولة أنا الدولة والدولة أنا التي رُفعت في عهدي بورقيبة وزين العابدين، وفي هذا الوقت الذي بات العالم كله ينظر بكثير من الإعجاب لما يحدث في تونس يرى الكاتب أنه من الضروري جدًا الانتباه لمفهوم التسامح ما دام في الإمكان أن يكون المرء ثوريًا ومضادًا للتعصب والعنف في آن واحد، فانفتح الأفق أمام إيمان جديد قاعدته التسامح لا القصاص، والإصغاء إلى صوت الآخرين لا إلى صوت المقصلة، من دون أن يعني هذا التسامح عقد تسويات في الكواليس أو الهرولة من اجل تقديم التنازلات. وفي الفصل الرابع والأخير والمعنون بحوار الثورات، يتحدث الكاتب عن النماذج الاحتجاجية التي سادت المشهد في الربيع العربي مقسما لها لثلاثة نماذج: النموذج الأول هو نموذج الميادين والاعتصامات المتواصلة لإسقاط الأنظمة والذي ظهر في تونس ومصر واليمن، بينما كان النموذج الثاني هو نموذج: استعراض القوة والحرب الأهلية والذي ظهر في ليبيا وسورية، فيما كان النموذج الثالث هو نموذج تظاهر الشعب وتنازلات الانظمة والذي ظهر العديد من الدول العربية من بينها الأردن والمغرب والجزائر. ويرى الكاتب أخيرًا أن تونس ربما تنجح فيما فشل حنيبعل في تحقيقه، فروما التي خرّبت قرطاج ها هي تتلقى من قرطاج نفسها، أي تونس المعاصرة، هدية إليها وإلى أوروبا وآسيا وأميركا، هي عبارة عن ثورة ربما تمنح العالم أفقًا مغايرًا. وتكون بداية عصر جديد تتغير فيه ألوان الثورات من الأحمر القاني إلى البرتقالي بوصفه مقدمة ضرورية لنجاح التسامح بصفة كونه أحد أهم أهداف الربيع العربي.