إذا كان من أهم السمات المميزة لمسيرة الشعر العربي المعاصر، التي انطلقت منذ حوالي سبعة عقود، تحقيق ثورة إيقاعية تجسدت في ظهور قصيدة التفعيلة وتحطيم بنية البيت ذي الشطرين المتساويين، وارتياد آفاق متعددة في تطوير القصيدة ضمن هذا الإطار، فإن ما صاحب هذه المسيرة الإبداعية من دراسات نقدية لا يرقى، في عمومه، إلى مستوى ما قدمه الشعراء م...
قراءة الكل
إذا كان من أهم السمات المميزة لمسيرة الشعر العربي المعاصر، التي انطلقت منذ حوالي سبعة عقود، تحقيق ثورة إيقاعية تجسدت في ظهور قصيدة التفعيلة وتحطيم بنية البيت ذي الشطرين المتساويين، وارتياد آفاق متعددة في تطوير القصيدة ضمن هذا الإطار، فإن ما صاحب هذه المسيرة الإبداعية من دراسات نقدية لا يرقى، في عمومه، إلى مستوى ما قدمه الشعراء من إنجاز ثري بتنوع تجاربه . ففي مقابل الكم الهائل من الدراسات التي تناولت هذا الشعر من حيث مضامينه وصوره ولغته الشعرية، لا نجد من الدراسات المهتمة بالإيقاع إلا قدرا يبدو يسيرا إذا قورن بالكم الشعري المتراكم طوال هذه العقود، وبقدر الإنجازات الإيقاعية التي قدمها الشعراء في أثناء ذلك .من مقدمة الكتاب : إذا كان من أهم السمات المميزة لمسيرة الشعر العربي المعاصر، التي انطلقت منذ حوالي سبعة عقود، تحقيق ثورة إيقاعية تجسدت في ظهور قصيدة التفعيلة وتحطيم بنية البيت ذي الشطرين المتساويين، وارتياد آفاق متعددة في تطوير القصيدة ضمن هذا الإطار، فإن ما صاحب هذه المسيرة الإبداعية من دراسات نقدية لا يرقى، في عمومه، إلى مستوى ما قدمه الشعراء من إنجاز ثري بتنوع تجاربه. ففي مقابل الكم الهائل من الدراسات التي تناولت هذا الشعر من حيث مضامينه وصوره ولغته الشعرية، لا نجد من الدراسات المهتمة بالإيقاع إلا قدرا يبدو يسيرا إذا قورن بالكم الشعري المتراكم طوال هذه العقود، وبقدر الإنجازات الإيقاعية التي قدمها الشعراء في أثناء ذلك.فمنذ كتاب نازك الملائكة "قضايا الشعر المعاصر" الذي حاولت فيه وضع قوانين للكتابة بشعر التفعيلة، وكتاب عز الدين إسماعيل "الشعر العربي المعاصر: قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية" الذي حاول فيه الاقتراب مما أنجزه الشعراء في تلك الفترة، مرت مياه كثيرة تحت جسر هذا الشعر، فأصبحت القيمة التنظيرية لهذين الكتابين متجاوَزة في كثير من جوانبها. فقد عجزت نازك الملائكة عن فرض قوانينها على الشعراء بسبب طابعها التنظيري المتعسف والبعيد عن الواقع الشعري ، كما أن المفاهيم النقدية التي قرأ من خلالها عز الدين إسماعيل هذا الشعر، كالسطر الشعري والجملة الشعرية والدفقة الشعورية... تحتوي كثيرا من سمات "الطفولة النقدية" على حد تعبير الشاعر محمد بنيس ، وأمست غير قادرة على استيعاب التجربة الإيقاعية للشعر العربي المعاصر التي أضحت أكثر انفلاتا مما كانت عليه خلال ستينيات القرن العشرين .لكن مما يؤسف له أن جزءا كبيرا من النقد الإيقاعي الحديث قد بقي أسيرا للمفاهيم التي تضمنها هذا الكتاب، فلم يتمكن، على الرغم من طول مدة الممارسة، من بناء منهج نقدي يستجيب لما أنجزه الشعراء في مجال الإيقاع الشعري.غير أن المعضلة الأكبر التي يعاني منها هذا النقد تكمن، في رأينا، في أن جزءا كبيرا منه يفتقد إلى قدر أدنى من الموضوعية القائمة أساسا على الاستقصاء. فعلى الرغم من ظهور دراسات تحاول الاقتراب من السمات العامة المميزة لإيقاع القصيدة المعاصرة، ككتاب "الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث" لسلمى خضراء الجيوسي وكتاب "الجملة في الشعر العربي" لمحمد حماسة عبد الطيف وكتاب "ظاهرة الشعر الحديث" لأحمد المعداوي وكتاب "موسيقى الشعر بين الاتباع والابتداع" لشعبان صلاح وكتاب "القصيدة العربية الحديثة بين البنية الدلالية والبنية الإيقاعية" لمحمد صابر عبيد... وغيرها، فإن هذه المؤلفات لم تعزَّز بدراسات كثيرة تستقصي دواوين الشعراء الرواد خاصة، ولا بتلك التي تتناول ظاهرة إيقاعية بعينها في هذا الشعر، للوقوف على حقيقة المنجَز الشعري المعاصر في مجال الإيقاع ومعرفة حدود التجديد فيه.وقد كان هذا الوضع عاملا من العوامل التي فسحت المجال أمام ظهور بعض الدراسات المغرضة التي تروم تنميط الحداثة الشعرية، معتمدة في ذلك على نماذج شعرية منتقاة لتفرض عليها نوعا من القراءة التي تناسب توجه الباحث وغرضه من البحث. ولعل من أهم هذه الدراسات تلك التي تناول فيها عدد من الباحثين شعر أدونيس، ومنهم كمال أبو ديب ومحمد بنيس وخالدة سعيد.فليست الحركة النقدية المواكبة للتجربة الإيقاعية للشعر العربي المعاصر عاجزة عن كشف منجزاتها الحقيقية وإضاءة كل الجوانب المعتمة منها فحسب، بل إنها قد زادت في كثير من الأحيان من غموض هذه التجربة، بسبب عجزها عن الفهم الصحيح للقضايا الإيقاعية الجديدة، أو بسبب خضوعها لسلطة المنهج التي حلت محل سلطة النص ، أو بسبب السعي إلى التضخيم من بعض التجارب الحداثية والإعلاء من شأنها على حساب تجارب أخرى.كل هذه العوامل دفعتنا إلى الاقتناع بأن معرفة الوضع الإيقاعي للقصيدة العربية المعاصرة لا يتحقق إلا بالعودة إلى دواوين الشعراء الرواد خاصة والصبر على قراءتها وتحليلها تحليلا يتجرد فيه الباحث من مواقفه الذاتية، لتقديم معرفة بهذا الشعر تكون أقرب إلى الموضوعية، إن لم يُقيَّض لها أن تتحلى بالموضوعية المطلقة.وإذا كان هذا الاقتناع هو الذي دفعنا من قبل إلى إنجاز دراسة شاملة حول إيقاع القصيدة عند نزار قباني تستقرئ كل منجزه الشعري، على ضخامته وامتداده الزمني ، فإننا مقتنعون أيضا بأن هذا العمل ليس سوى مساهمة في مشروع نحمل همه منذ دراستنا الجامعية العليا في سلك الدكتوراه، ونراه الآن أكبر من أن يضطلع به مجهود باحث أو قلة من الباحثين، إذ لا يمكن أن يؤتي ثماره التي نحلم بها إلا إذا تراكمت فيه دراسات يكون همها الأول هو استقصاء الوضع الإيقاعي للقصيدة العربية المعاصرة.ولهذا نجد من الواجب الإشارة إلى أن دراستنا هذه ليست رائدة في مجالها، إذ سبقتنا دراسات في الموضوع حاولت التسلح بقدر غير يسير من الموضوعية والاستقصاء. ولعل أهمها كتاب الدكتور محمد علي السمان "العروض الجديد" الذي صدر عن دار المعارف بالقاهرة سنة 1983. وقد أعلن فيه أن غايته تأسيس علم جديد لعروض الشعر الحر، شبيه بما قام به الخليل في تأسيسه لعلم العروض. فهو يقول في مقدمة كتابه: "وكان لا بد لي، وهو ما فعلته، أن أستقرئ نصوصه الكثيرة الوفيرة لأستنبط منها بحوره وتفاعيله وضروبه (...) فذلك هو الأسلوب الذي انتهجه الخليل بن أحمد، واضع عروض الشعر القديم، والذي انتهجه ابن سناء الملك أو الخليل الثاني واضع عروض الموشحات... وبذلك تكون النتائج مطابقة للواقع الحسي، ويكون القول فيه مصحوبا بالدليل عليه، بل مسبوقا به لأنه مستنبَط منه. ولقد اقتضاني ذلك أن أقرأ ما يزيد على ألفي قصيدة، فيما يزيد على مائة ديوان من الشعر الحر الجيد لرواده والمحدثين فيه" .وإن كان لعمل السمان من عيب فهو هذا العبء الذي حمله لنفسه عندما أراد تقليد فعل الخليلين الأول والثاني. فحاول تأسيس هذا العلم من خلال قراءته لألفي قصيدة، على حد قوله، من الشعر الحر، وهو قدر يسير بالقياس إلى ما أُنتج منه، مع ما يعتري هذه القراءةَ من عيوب، سنعرض لبعضها أثناء هذا البحث، تدل على أن الباحث كان في أمس الحاجة إلى ضبط هذا العلم الذي أراد وضع أسسه في هذا الكتاب أولاً. فهذا يدل دلالة قاطعة على أن التصدي لهذا الموضوع يجب أن يكون جهدا جماعيا قائما على تراكم الدراسات، إذ ليس بوسع الباحث الفرد أن يصل فيه إلى نتائج حاسمة مهما بذل في ذلك من جهد وأنفق من وقت.غير أن ما لاحظناه في جل الدراسات التي أنجزت حول إيقاع الشعر العربي المعاصر هو التضخيم من مسألة الانزياح الذي تحقق فيه على يد أدونيس خاصة، لهذا رأينا أن نخصص هذه الدراسة للوقوف على حقيقة هذه الانزياحات وحدودها عند هذا الشاعر، محتكمين في ذلك إلى مواقفه من هذه المسألة وإلى متنه الشعري، لاقتناعنا بأن تقويم تجربته الشعرية تقويما موضوعيا إنما يتحقق بالعودة إليها واستقصائها ومساءلتها، لا بمطالعة آراء النقاد حولها ولا بانتقاء أبيات أو مقاطع معدودة من قصائد متفرقة في الديوان، كما دأب على ذلك كثير من الباحثين.وقد جعلنا هذه الدراسة فصلين أساسيين، فخصصنا الفصل الأول لدراسة الانزياحات الوزنية، وذلك في مبحثين:جاء المبحث الأول الذي يحمل عنوان "الحداثة الشعرية عند أدونيس: تمرد على اللغة أم تمرد على الأوزان؟" بحثا في الموقف النظري للشاعر من مسألة الانزياحات الإيقاعية والوزن والقافية، وموقع ذلك من مشروعه الشعري الحداثي، من خلال آرائه الموزعة بين مؤلفاته وحواراته المختلفة.وعرضنا في المبحث الثاني لأشكال الانزياحات الوزنية في شعره، وهي تشمل المزج بين الأشكال والأوزان، والتفعيلة المقحمة وعلة الحشو، وزحاف الحشو.ثم خصصنا الفصل الثاني لدراسة الانزياحات التي تصيب البيت والقافية، وذلك في مبحثين:تناولنا في المبحث الأول مفهوم البيت وحدوده في الشعر العربي المعاصر، فحاولنا وضع أساس لتحديد هذا البيت، لما لاحظناه من اضطراب لدى النقاد والدارسين في فهم حدوده الصوتية التي تمثلها القافية.وعرضنا في المبحث الثاني لانزياحات القافية التي تشمل: ترك المماثلة و(فعولن) في ضرب المتقارب وتنوين الضرب وخداع الحركات الإعرابية، قبل أن ننتقل إلى انزياحات البيت التي تشمل لعبة البياض وعلامات الترقيم والبيت الطويل.ثم أنهينا كل ذلك بخلاصات عامة حول حضور مجمل هذه الانزياحات في متنه الشعري وخضوعها لمبدأ التطور وتأثيرها في أوزان الشعر عنده.وكان منهجنا في ذلك منهجا تحليليا يعتمد بيان الظواهر الإيقاعية المرصودة ضمن النماذج الشعرية، ويستعين بالجانب التاريخي لدراسة تطور هذه الانزياحات في تجربة الشاعر، وبالمقارنة للوقوف على موقع هذه التجربة من التطور الإيقاعي للقصيدة العربية المعاصرة، متوخين في ذلك تجنب ما نعيبه على غيرنا من تضخيم لتجربته أو تعصب ضده قد يحجب عنا ما قد يكون إنجازا يُحسَب له. وهو ما نعتقد أنه سيسمح لنا بتقويم أقرب إلى الموضوعية لتجربة هذا الشاعر الإيقاعية ضمن مسيرة الشعر العربي المعاصر، ويساعدنا على التقدم خطوة في مسيرة استكشاف التجربة الإيقاعية المعاصرة وحدود الانزياح فيها.- فهرس محتويات الكتاب : المقدمةالباب الأول : انزياحات الوزنالفصل الأول: الحداثة الشعرية عند أدونيس: تمرد على اللغة أم تمرد على الإيقاع؟الفصل الثاني: انزياحات الوزنالمزج بين الأشكال والأوزانالتفعيلة المقحمة وعلة الحشو زحاف الحشوالباب الثاني : انزياحات البيت والقافيةالفصل الأول:البيت الشعري المعاصر: المصطلح والحدودالشطر الشعري السطر الشعري والجملة الشعريةمشكلات السطر والجملةالبيت الشعري الفصل الثاني: انزياحات البيت والقافيةالقافية البيت الشعريخلاصات عامة الخاتمة مراجع البحث الفهرس