لم تخض غمار الرواية وابتعدت هنا عن الشعر ولم تقترب من القصة لكنها اتخذت طريق أقصر وأصعب مخالفةً قوانين الفيزياء، فطريقها قصير نعم لكنه الأصعب، الإبيجراما تلك النصوص التي ربما يدجها الكاتب في نص سبق تجنيسه، كانت هي طريقها هنا، في إصدارين جديدين عن "الآن ناشرون وموزعون" قررت أن تصدر كتابين في هذا الحقل المهجور، خاضته بإرادتها وبفن...
قراءة الكل
لم تخض غمار الرواية وابتعدت هنا عن الشعر ولم تقترب من القصة لكنها اتخذت طريق أقصر وأصعب مخالفةً قوانين الفيزياء، فطريقها قصير نعم لكنه الأصعب، الإبيجراما تلك النصوص التي ربما يدجها الكاتب في نص سبق تجنيسه، كانت هي طريقها هنا، في إصدارين جديدين عن "الآن ناشرون وموزعون" قررت أن تصدر كتابين في هذا الحقل المهجور، خاضته بإرادتها وبفنية ومهارة الكاتب الحكيم.لكن ما هي الإبيجراما؟ وكيف ظهرت؟ وكيف كانت سهى نعجة و الإبيجراما؟ الإبيجراما بالإنجليزية: (Epigram) كلمة مركبة مستوحاة من اللغة اليونانية القديمة من كلمتين هما (epos) و(graphein)، وكانت تعني الكتابة على شيء أو النقش على الحجر في المقابر بوصفها عملية إحياء لذكرى المتوفى، أو نحت تمثال لأحد الشخوص، إلى أن تحولت إلى نوع شعري قائم بذاته.[1] هي نوع شعري قديم تم تعريفه في الآداب اليونانية القديمة والأوروبية والعربية؛ كانت تعني في الآداب اليونانية الكتابة المنقوشة أو الكتابة على شيء؛ أما في الآداب الأوربية فقد تحولت في القرن السابع عشر من قبل جون دن،[2] وأسكار وايلد إلى فن شعري قائم بذاته له سماته ومعاييره التي يمكن أن يتم الاحتكام إليها.[1] "وهي في النقد الأدبي المقصود بها بصفة عامة القصيدة القصيرة التي تتميز بتركيز العبارة وإيجازها، وكثافة المعنى فيها، فضلا عن اشتمالها على مفارقة، وتكون مدحا أو هجاء أو حكمة. وقد عرفها الشاعر الرومنسي الإنجليزي كوليردج بقوله:إنها كيان مكتمل وصغير جسده الإيجاز، والمفارقة روحه."[3]وربما لم يتعرض أحد من الأدباء أو الكتاب العرب في الزمن القديم أو الحديث لهذا النوع الأدبي إلا طه حسين، وذلك في مقدمة كتابه «جنة الشوك»."وقد أجمل طه حسين مقومات هذا النوع في القصر، ثم التأنق الشديد في اختيار الألفاظ، بحيث ترتفع عن الألفاظ المبتذلة، دون أن تبلغ رصانة الفحول من الشعراء، وأن يكون المعنى فيه أثرا من آثار العقل والقلب جميعا، وأخيرا أن تكون المقطوعة منه أشبه شيء بالنصل المرهف ذي الطرف الضئيل الحاد، قد رُكِّب في سهم رشيق خفيف، لا يكاد يُنزع عن القوس حتى يبلغ الرمية، ثم ينفذ منها في خفة وسرعة ورشاقة.""كذلك فإن الإبيجراما في الشعر قد تتشكل أحيانا من جزء من القصيدة، يتمثل في بيتين أو رباعية دون أن يكون لها كيان مستقل.ومن أمثلة ذلك قول الشاعر الإنجليزي بوب:"إننا ننظر إلى آبائنا على أنهم أغبياء. وقد كبرنا على هذه الحكمة. ولا شك في أن أبنائنا الأحكم سينظرون إلينا النظرة نفسها"."ومن جهة أخرى ليس من الضروري أن تأخذ الإبيجراما الشكل الشعري، فمن الممكن أن تكون في عبارة نثرية كذلك. وقد عرف أوسكار وايلد بحصافته الإبيجرامية التي ينثرها في ثنايا مسرحياته وقصائده وحكاياته وخطاباته ومحادثاته. ومن أمثلة ذلك قوله:"إن التجربة هي الاسم الذي يخلعه الناس على أخطائهم"."الإنسان حيوان عاقل، يفقد طبعه دائما عندما يطلب منه أن يسلك وفقا لما يمليه العقل."كذلك كان الكاتب الأمريكي مارك توين من أشهر من كتبوا الإبيجراما، ومن ذلك ما ورد في إحدى رواياته، حيث يقول:"قليلة هي الأشياء التي يكون احتمالها أقسى من احتمال ما يحدثه مَثَل جيد من إزعاج.""وعلى هذا الأساس يمكن أن يقال إننا نستطيع – بوصفنا قراء واعين بهذا النوع الأدبي – أن نستخرج من بعض ما نقرأ من النصوص الأدبية، الشعرية والنثرية، القديمة والحديثة، أمثلة تحقق – على نحو يتفاوت قلة وكثرة – نموذج الإبيجراما..."".. لم يظفر الأدب العربي بأسره بنماذج تعلن عن وعي أصحابها به وبخصوصيته إلا على يدي طه حسين في كتابه الذي سلف ذكره «جنة الشوك» والذي أفرده بكتاباته (إملاءاته) التي تحقق – في اعتقاده – نموذج الإبيجراما، والذي قدم له بمقدمة تدل على معرفة كاملة بأصول هذا النوع الأدبي التاريخية وشروطه الفنية. وكل ما هنالك أن طه حسين قدم إبيجراماته في الشكل النثري وليس الشعري." "ومن نماذج إبيجراماته التي تستوفي – في تصوري – شروط هذا النوع قوله تحت عنوان "توحيد":" قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: أليس مما يملأ القلوب غبطة والنفوس رضا أن نرى مصر تعمل على توحيد كلمة العرب؟ قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: بلى!وأدعى من ذلك إلى الغبطة والرضا أن توحد مصر كلمة أبنائها".]4[ اختارة الأستاذة الدكتورة سهى نعجة هذا النمط من الكتابة لتخرج بكتابين الأول باسم «تناص» والثاني «جمر وخمر»، عبر دار "الآن ناشرون وموزعون"، وكان اتجاهها لكتاب الجيب موفقاً، فالكتيبين الصغيرين كفيلين بضمان الانتشار السريع دون أن يرهق جيب القارئ.د.سهى فتحي نعجة تحمل درجة الدكتوراة في اللغة العربية في حقل النحو والصرف والمعجميات من الجامعة الأردنية حيث عملت فيها ولا تزال حيث تبوّأت الكثير من المناصب الإدارية والتدريسية فضلاً عن خبرتها الطويلة في التدريس في مدارس التربية والتعليم.واطلاعها بالكثير من المهام الأكاديمية المتنوعة،ولها فيض من الأبحاث العلمية المحكّمة المنشورة والكتب المتخصصة، منها على سبيل الذكر لا الحصر الذي يضيق المقام بذكرها :بنية الكلمة العربيّة بَيْن الثبات الدّلالي والتغيّر الصوتيّ،و رحلة ابن سعيد المغربي إلى الشرق،وإشكالية التعريب في ضوْء الإمكانيّة التوليديّة للعربيّة، د.سهى نعجة كما يطيب لدكتورة سناء الشعلان وصفها هي:"اللقاء روح جميلة قبل أن تكون أستاذة جامعي"، وتقول فيها أيضاً:" إنسانة تجيد أن ترسم الحياة،وأن تتفيء ظلال الأمل،وأن تمتد أيدياً تهدي السعادة والمحبة لكلّ من تعرف ولا تعرف،هي امرأة منارة،وهذا قدرها،أن تكون سارية وهادية وبغية وسبب سفر وارتحال مقدّس نحوها،تتقن الحياة والمحبة والفضل والعون،ولذلك هي جديرة بالحياة والامتداد والتفّرع والتجذّر والإثمار والخلود،هي امرأة امرأة،وسنديانة امرأة،وحلم امرأة،ولذلك تحمل كلّ الأسرار،وعذوبة البوح".تقول د.سهى نعجة :" يستنهض المشهد اللغويّ المعاصر أُولي العربيّةِ للتّبصّر في القفزات اللغويّة المتسارعة، وفي حالة التغريب لا التّعريب، والاحتراق المؤذن باختراق، في المتداول اللغويّ بَيْن جيل الشّباب خاصّة.وبالنهاية يطيب لي ذكر بعض إبيجراما التي وضعتها د.سهى نعجة في كتابيها ونترك الرأي للقارئ في هذا الفن المهجور.كَسْرُ التّوَقُّعِ سِيماك ،ألا جَلَّ جَلَّ معْنَاك***ضَميرانِ تَسْكُنُني:هُوَ ،أنْتَ.تُرى ، بأيِّهما ستُنْهيني ؟* * *هُوَ صَوْتُ قلْبي ،فَتَرَفَقْ بِنِدَائِه ،ولا تَنْهَرْ* * *صَامِتٌ أنْت ،صَائِتٌ أنا ،يا لبلاغةِ الضّدَّين ! (5)* * *ترَفَّقْ ،فالعُمْرُ صَيّادٌ بَليغ* * *عُلّقْتُك ،فَأَرِقَ نَبِيذِي* * *هَلُمّ ،فَقَدْ طَابَ بَلَحِي (6)ضحى الرفاعي 1-http://www.alqudsalarabi.info/index.asp?fname=today%5C26m14.htm&arc=data%5C2013%5C02%5C02-26%5C26m14.htm 2- http://www.luminarium.org/editions/donneepigrams.htm 3- المغربي، حافظ. شعرية الإبيجرام عند محمد الغزي: قراءة في الخطاب الصوفي (باللغة العربية). كلية الآداب- جامعة الملك سَعُود.4- ديوان دمعة للأسى.. دمعة للفرح، عز الدين إسماعيل5- تناص، شذرات، الآن ناشرون وموزعون، عمان الأردن، 2014.6- جمر وخمر، شذرات، الآن ناشرون وموزعون، عمان الأردن، 2014.