أما بعد، فهذا كتابي تناولت فيه أهم القواعد والأسس التي اتبعت في قبول الحديث ورده، وفي تحمله وأدائه، وما يلحق بهذا العلم من علوم مختلفة تتعلق بأحوال الرواة والمرويات وما يترتب على ذلك من أحكام بين القبول والرد. و قد رأيت استخراج كتاب منهجي في مساق (علوم الحديث)، وارتأيت جمع مباحث خطة المادة بغية تحقيق الأهداف المرجوة. هذا، وقد جا...
قراءة الكل
أما بعد، فهذا كتابي تناولت فيه أهم القواعد والأسس التي اتبعت في قبول الحديث ورده، وفي تحمله وأدائه، وما يلحق بهذا العلم من علوم مختلفة تتعلق بأحوال الرواة والمرويات وما يترتب على ذلك من أحكام بين القبول والرد. و قد رأيت استخراج كتاب منهجي في مساق (علوم الحديث)، وارتأيت جمع مباحث خطة المادة بغية تحقيق الأهداف المرجوة. هذا، وقد جاء هذا الكتاب لييسر على الطلبة فهم قواعد هذا الفن الحديث وأصوله ومصطلحاته، ولا سيما أن أكثر الكتب بين المطول والمفصل، أو المختصر والموجز البعيد عن معالجة المفاهيم الحديثة، التي أصبحت موضع سؤال وطلب. ولا أرى أن هذا الكتاب يغني عن كتب العلماء الأقدمين، وإنما قصدت أن يكون مفتاحاً لها، فقد صنف الأئمة والعلماء الأقدمون مصادر أمهات للمتخصصين في هذا الفن، فكانت معيناً فياضاً ينهلون منه.وهذه موضوعات يسيره في تاريخ السنة وعلوم الحديث، أقدمها للطلاب الأعزاء بأسلوب سهل غير مطول، غني بالأمثلة والشواهد، إذ لجأت إلى تبسيط العبارات النصية بأسلوب يتناسب مع مختلف التخصصات العلمية على شكل نقاط بارزة لتعين الطالب على الفهم وعلى تصور موضوعات المنهج وأساسياته. ولقد لقيت تشجيعاً على تقديم هذه المادة في كتابٍ ينتفع به الطالب والمدرس، فقد جاء الكتاب ترجمة حقيقية لجميع وحدات المساق. وليسد ثغرة في مكتبة الدراسات الإسلامية لطلبة الجامعة على الخصوص، ولطلبة العلم على العموم.وحاولت قدر المستطاع التقيد بمفردات منهج المادة المقررة إلا أن مقتضيات التأليف والتصنيف اضطرتني أحيانا إلى بعض الإضافات أو الزيادات، أو التوسع أحياناً في بعض الفقرات.ولا أدعي أن في كتابي جديداً، فكل ما فيه عالة على أسلافنا العلماء ومأخوذ من علمها، فإن كان في هذا التأليف من فضل فراجع إلى أهله، وهم أساتذة هذا الفن الجليل من علمائنا المحدثين السابقين الذين أفنوا أعمارهم في سبيل البحث والتقصي، فجاء علمهم نافعاً ومفيداً..ولا بد من ملاحظة أن الكتاب أعد للطالب الشاب الذي لا يقرأ كثيراً في هذا الموضوع، ولذلك آثرت تبسيط القواعد وتيسير العرض والنأي عن التعقيد في العرض أو الموضوع ما أمكن ليتسنى للطالب أن يواصل القراءة وللراغب في المعرفة أن يعرف، فالتيسير مقصود بداية ومطلوب غاية.كذلك جاء الكتاب منسجماً مع توجهات وفلسفة جامعة آل البيت في بناء قاعدة فكرية سليمة بعيدة عن التعصب والغلو، قريبة من الحوار العلمي الموضوعي المتزن، واحترام الرأي الآخر، وتقريب وجهات النظر.وقد جمعت في كتابي هذا بين أمهات المصادر والمراجع وبين الكتب الحديثة والمعاصرة لاستخراج واقتباس المادة العلمية.ولا بد أن أذكر أن أصل هذا الكتاب كان محاضرات ألقيتها على طلابي في جامعة آل البيت ثم قمت بتنسيقها وتنقيحها والزيادة عليها حتى تمت بهذا الشكل، فأقدمها للطلبة الأعزاء لعلني أختصر عليهم عناء البحث الذي يستنفذ طويل الوقت.وإنني – من معايشتي لجهود سلف الأمة في خدمة الدين- لاحظت الأمور التالية:1- أن الإخلاص لله كان رائدهم في كل ما قاموا به من الأعمال وما بذلوه من جهود، إذ كان ذلك كله ابتغاء وجه الله عز وجل وذبّاً للكذب على سنة رسول الله r.2- أن حياتهم وأوقاتهم كلها كانت إما في طلب علم أو تدارسه أو نشره، أو الرحلة من أجله، فما كانوا يرون الراحة إلا في طلب العلم والعمل به ثم نشره بين الناس.3- أنهم –رحمهم الله- لم يكونوا يبتغون بأعمالهم منصباً دنيوياً أو جاهاً عند ذي سلطان أو التكثر من الأموال، بل كانوا يفرون من ذلك كله فرار الصحيح من المجذوم، وما كان الغرور والعجب والكبر والرياء ليجد إلى قلوبهم سبيلاً، فضلاً من الله ونعمة، بل كان الاحتساب لله رائدهم وإظهار العلم وإخفاء العمل هديهم.4- أنهم كانوا في طلب العلم يتدرجون وفق برنامج علمي وعملي سليم، فيبدأون بالتعبد والتأدب أولاً، ثم يشرع الطالب منهم بعد ذلك في طلب العلم على أهله المعروفين مخلصاً نيته في طلبه، حريصاً على الفهم الصحيح والعمل بما علم، ثم ينشر علمه ويبثه في الأمة.وأخيراً:فلا بد أن أذكر أنني عشت ساعات جميلة وسعيدة في حياتي، تلك الساعات التي كنت أتجول بعقلي وروحي في حقول العلم الشرعي وبستانه الزاهي، أتنسم عبيره، وشذاه الفواح وأقطف وروده ورياحينه العابقة.ومن هذه الورود والرياحين والأزاهير ألفت كتابي هذا، وأسميته "المنهج الحديث في علوم الحديث".هذا وقد قسمت خطة الكتاب إلى أحد عشر فصلاً على النحو الآتي:• الفصل الأول: مدخل إلى علم الحديث النبوي وأصوله.• الفصل الثاني: كتابه الحديث النبوي وتدوينه وتصنيفه.• الفصل الثالث: علم مصطلح الحديث.• الفصل الرابع: علم الجرح والتعديل.• الفصل الخامس: علم رجال الحديث.• الفصل السادس: آداب المحدث وآداب طالب الحديث وطرق التحمل وصيغ الأداء.• الفصل السابع: أقسام الحديث من حيث القبول والرد "الحديث الصحيح والحسن والضعيف".• الفصل الثامن: الموضوع.• الفصل التاسع: تقسيم الحديث من حيث القائل" الحديث المرفوع والموقوف والمقطوع"، وأقسام الحديث من حيث عدد الرواة "الحديث المتواتر والآحاد".• الفصل العاشر: التخريج والمعاجم الدالة على مواضع الحديث، والجهود المعاصرة في خدمة السنة النبوية.• الفصل الحادي عشر: شبهات حول السنة النبوية والرد عليها.وفي الختام: لا يفوتني أن أنبه أن أعمال البشر يعتريها الخطأ والنسيان، فإن وفقت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي، ولا يستغني أحد عن التسديد والنصيحة والتوجيه، ولا يستقيم أمره إلا بتوفيق مولاه، فنسأل الله التوفيق والسداد، والعون والرشاد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.المؤلف