هذه الصفحات ليست مجرد سطور تتحدث عن بعض قضايا الفساد التى كان يمارسها رموز النظام الأسبق البائد برئاسة الرئيس المخلوع مبارك .. والذين سعوا فى خراب مصر مع سبق الإصرار والترصد وببجاحة عجيبة يحسدون عليها .. لكنها شهادة حق أقدمها إلى شباب ثورة 25 يناير وأهديها إلى شهداء الثورة المجيدة الذين ضحوا بأرواحهم من أجل تراب هذا الوطن وكرامت...
قراءة الكل
هذه الصفحات ليست مجرد سطور تتحدث عن بعض قضايا الفساد التى كان يمارسها رموز النظام الأسبق البائد برئاسة الرئيس المخلوع مبارك .. والذين سعوا فى خراب مصر مع سبق الإصرار والترصد وببجاحة عجيبة يحسدون عليها .. لكنها شهادة حق أقدمها إلى شباب ثورة 25 يناير وأهديها إلى شهداء الثورة المجيدة الذين ضحوا بأرواحهم من أجل تراب هذا الوطن وكرامته وحريته .. وأقدمها لكل مصابى الثورة الذين فقدوا أبصارهم وأعضاءهم فداء لنا، وأصبحوا شهود عيان، ودليلاً حياً على ماحدث فى ميدان التحريروحى الأربعين فى السويس والإسكندرية وبنى سويف وكل محافظات مصر أيام ثورة الشعب المصرى على الظلم والاستبداد الذى كان يمارسه النظام الأسبق .. حتى ولو كانت الأحكام على جلاديهم جاءت بالبراءة لحرق الأدلة واختفائها فى ظروف غامضة! وأقول بكل الصدق والصراحة أنه لولا هذه الثورة العظيمة ماكنت أستطيع الكشف عن وقائع هذا الفساد الذى كان ينخر فى عضد مصر لسنوات طويلة .. وكنت شاهدا عليه بحكم عملى محررا برلمانيا على مدى أكثر من 35 سنة عشتها تحت قبة البرلمان ..وعاصرت فيها أحداثا جساما مرت بها مصر غيرت فيها وجه التاريخ .. وشاهدت آلاف النواب فى مجلسى الشعب والشورى على مدى هذه السنين .. واستطعت أن افرق بين النواب الذين جلسوا تحت القبة بالصدفة والذين ينافسون أبو الهول فى صمته و النواب الذين جاءوا الى القبة ليدافعوا عن حقوق هذا الشعب الغلبان .. وكانوا يزلزلون المقاعد من تحت الوزراء ولا يخافون فى الحق لومة لائم ، و شاهدت نواباً كانوا يدفعون ملايين الجنيهات من أجل الفوز بكرسى البرلمان ليتمتعوا بالحصانة، و يحققوا من خلال هذا الكرسى مصالحهم الشخصية بحكم قربهم من صناع القرار أو لمجرد الوجاهة الإجتماعية أو تحقيق النعرة القبلية ، وكنت أرى نوابا ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا نوابا « إمعة» يقولون للحزب نعم إذا قال «نعم» ويقولون «لا» إذا جاءتهم التعليمات بأن يقولوا «لا» ، وعاصرت نواب المخدرات ، ونواب سميحة الذين تورطوا فى فضيحة جنسية ، ونواب القروض والنقوط والتأشيرات والمحمول ، والنائب الصايع ، ونواب «عبده مشتاق» وهم الذين يشتاقون إلى كرسى الوزارة وأذكر أن أحدهم قال لى أثناء المشاورات لتشكيل وزارة جديدة: إن «العداد قلب» وانه مازال ينتظر دخوله الوزارة ، وعاصرت نواباً من الذين يمكن أن نطلق عليهم نواب كل العصور ويلعبون على كل الحبال .. ويظن الناس فى خارج القاعة انهم معارضون شرفاء وعصاميون .. والحقيقة إنهم كانوا أبعد ما يكونون عن الشرف والأمانة والآيات القرآنية التى يرددونها والأحاديث النبوية التى يستشهدون بها فى أحاديثهم المنمقة، وخطبهم المنبرية تحت القبة. ولكنهم - للأسف - كانوا يؤدون دور المعارضة تحت القبة إستكمالا للشكل الديمقراطى فقط! وبصراحة إن ما كنت أنشره عن هذا الفساد فى ذلك الوقت كان نقطة فى بحر متلاطم من النهب والسرقة وتهريب الأموال للخارج وتوزيع الأراضى والفلل والشاليهات والشقق على أصحاب الحظوة من الوزراء والنواب . وكان الرقباء من كل الأنواع والأحجام والألوان يحاصروننا فى كل مكان ويلتفون حولنا ويضيقون علينا الخناق لحماية النظام من أقلام هؤلاء الأوغاد والمشككين فى رموزه ! .. وكان هؤلاء الرقباء يسبحون بحمد النظام ورجاله .. ويعلنون كل يوم ولاءهم للسلطان وصاحب المن والعطايا عليهم .. فهو الذى يعينهم وهو الذى يقصيهم عن مناصبهم اذا غضب عليهم - لا قدر الله - ونسوا كل شىء للأسف فى سبيل إرضاء السلطان ! وكان أعضاء عصابة مبارك تحت القبة يجيدون توزيع الأدوار بينهم و يقودهم المخرج العظيم الذى جلس على منصة مجلس الشعب لمدة 21عاما فهو العالم الجليل وصاحب المؤلفات الضخمة فى القانون الجنائى .. والثائر من أجل الحق والعدل عندما كان طالبا بكلية الحقوق قبل ثورة يوليو 1952 وأستاذ الأساتذة على حد قوله فى أحد المؤتمرات الصحفية مع المحررين البرلمانيين رداً على أحد رؤساء التحرير الكبار الذى كان يسخر قلمه أسبوعيا لنقد أعماله وسفرياته الخارجية وأ طلق عليه «ابن بطوطة» فى عموده الأسبوعى والذى كان يوقعه بإسم «أنور وجدى» . وأقول كِشاهد عيان إن هذه السفريات كانت الباب الخلفى لإهدار المال العام .. فالسفريات كانت تضم مديرى المكاتب والسكرتارية والحرس والأمين العام ونوابه والزوجات وبعض أصحاب الحظوة من المحررين البرلمانيين من سدنة النظام .. بالاضافة إلى النواب الذين يظهرون الولاء الشديد للنظام والمدافعين عنه بالحق أو الباطل .. فلم تكن هناك أى معايير حقيقية لاختيار النواب أو المحررين الذين يسافرون للرحلات الخارجية !. وللأسف إن أستاذ الأساتذه ورئيس مجلس الشعب «غير العادى» كما قال لأحد النواب بالحرف الواحد الذى تجرأعليه فى إحدى الجلسات وأراد التجاوز معه .. فأنفعل عليه استاذ الأساتذة وقال له بكل غضب وحدة : « إعلم إنك تخاطب أحمد فتحى سرور رئيس مجلس الشعب وإنه رئيس غير عادى»! و قد استخدم أستاذ الأساتذه كل علمه وخبرته وحنكته السياسية التى كانت تشهد بها المعارضة قبل الأغلبية فى خدمة النظام وحمايته ! .. ولعن الله السياسة. وأذكر اننى فى أحد لقاءاتى به وبالتحديدونحن فى زيارة خارجية للأردن فى بداية عام 2000 عقب جلسة صاخبة لمجلس الشعب حول تصميم وزير الثقافة الاسبق فاروق حسنى على إقامة إحتفال ضخم بمناسبة مرور مائتى عام على الغزو الفرنسى لمصر وأن معالى الوزير الاسبق لم يكن يعتبر ذلك غزواً ولكن يعتبره فتحا ثقافيا لمصر حيث قدموا لنا المطابع و الأجهزة العلمية الحديثة واكتشفوا الكتابة الهيروغليفية و احضروا العلماء لدراسة البيئة الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية لمصر. وفى نفس الوقت تناسى سيادة الوزير تماما المذابح الوحشية والبشعة التى ارتكبها الفرنسيون ضد المصريين العزل ، و أنهم جاءوا لمصر محتلين و غزاة ودعاة حرب وليسوا دعاة سلام وانهم اقتحمواالجامع الأزهر بخيولهم و حرابهم. و شنت المعارضة فى ذلك الوقت هجوماً ضارياً على الوزير و الاحتفال الذى كان سيقيمه فى سفح الأهرامات و يحضر له أحد المخرجين الفرنسيين .. ويدعى ميشيل جار لتنظيمه بحجة أن هذا الاحتفال أو المهرجان سوف يشجع السياحة فى مصر ويحضر الحفل 50 ألف زائر .ويعرف العالم بمعالمنا السياحية..و لكن المعارضة فى مجلس الشعب ، وبعض الأقلام الصحفية فى الصحف القومية والحزبية رفضت هذا الاحتفال ، وتصدت له بكل عنف وقوة ..وقالت صحيفة «يدعوت أحرونوت» الإسرائيلية ان برنامج الاحتفالية يسعد طوائف عبدة الشيطان ، وان الشيطان سوف يظهر فى منطقة الأهرامات بالجيزة ! وإن ميشيل جار يهودى الجنسية ولكن الوزير قال : «انه كاثوليكى فرنسى».! ونشرت جريدة الشعب هذا الكلام فى ديسمبر 1999 قبل إغلاقها .. واستخدم فاروق حسنى كل وسائل الإقناع والحجج حتى يوافق المجلس على إقامة الاحتفال فى ذكرى الغزو الفرنسى لمصر .. وأمام الشد والجذب إنفعل الوزير وقال : «وايه يعنى .. فمصر قامت بغزو اليمن» ووقتها قامت الدنيا ولم تقعد تحت القبة لإن مصر عندما ذهبت لليمن لم تكن غازية ولكن لمساعدة اليمن للتخلص من حكم «الإمام » على حد تعبير النواب . واستخدم د. سرور كل أسلحته فى تهدئة النواب والوقوف بجانب الوزير والدفاع عنه وقال ان ماقاله الوزير يعتبر «زلة لسان» من الوزير وانه لم يقصد ! وعندما قلت للدكتور سرور فى لقائى معه انه دافع عن الوزير ووقف بجانبه وحماه من المعارضة. قال لى بالحرف الواحد : انه وزير من النظام ولابد من حمايته .. وادركت وقتها أن إحدى وظائف د.سرور خلال رئاسته لمجلس الشعب التى استمرت كل هذه السنوات . - وتمثل سابقة برلمانية فى مصر والعالم كله - هو حماية النظام والدفاع عنه بالحق والباطل وبكل الطرق المشروعة وغير المشروعة وما أكثرها .. أنه رجل النظام الأول وأن سبب تمسك مبارك به إنه كان يحقق له كل مايريد من قوانين وتشريعات يكبل بها البلد، وأن سرور كان هو بطل تعديل المادة 76 لدستور 1971 التى كانت بابا خلفيا لدعم التوريث وأن هذه المادة تم تحصينها تماما ضد الطعن على نصها الذى كان يمثل أطول مادة دستوريه فى الدساتير العالمية والتى قال عنها الفقيه الدستورية د. يحيى الجمل فى ذلك الوقت «أهان الله من أهان مصر بهذه المادة ». وكان هذا الموقف من مئات المواقف التى عشتها تحت قبة البرلمان والتى سأتعرض لبعضها ولكن يوجد فى جعبتى مئات غيرها.