تلقت الأمة كتاب الله وسنّة رسوله (ص) علماً وعملاً، وسار الناس في ظل هذين الأصلين في حياة الرسول (ص) وفي عهد الخلفاء الراشدين وفي عصر الصحابة والتابعين حتى توالت الفتوحات وتمصرت الأمصار ودخل في الإسلام أمم وجماعات واتسعت ميادين الحياة، ووجدت أمور لم تكن من قبل دفعت العلماء للاجتهاد في إيجاد أحكام لها ومعرفة أحكامها. ومعلوم أن الن...
قراءة الكل
تلقت الأمة كتاب الله وسنّة رسوله (ص) علماً وعملاً، وسار الناس في ظل هذين الأصلين في حياة الرسول (ص) وفي عهد الخلفاء الراشدين وفي عصر الصحابة والتابعين حتى توالت الفتوحات وتمصرت الأمصار ودخل في الإسلام أمم وجماعات واتسعت ميادين الحياة، ووجدت أمور لم تكن من قبل دفعت العلماء للاجتهاد في إيجاد أحكام لها ومعرفة أحكامها. ومعلوم أن النصوص لن تلاحق الأحداث فكان على المجتهدين أن يبحثوا عن عموميات وكليات تندرج فيها تلك الجزئيات وكان ذلك مبني على الاجتهاد والاستنباط ومعتمد ذلك على الملكة والفكر والتحصيل ومعرفة مدارك النصوص. ولما كانت النصوص فيها العام والخاص، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ، والمجمل والمبين، وما إلى ذلك كان لا بد من قواعد ومنهج ينظّم هذا الاجتهاد، ويصنّف مباحثه في أبواب وفصول فكان ذلك من علم الأصول، وكان أول من سارع إليه وكتب فيه الإمام الشافعي، ثم توالت على هذا الفن أقلام، وتناولته عقول حتى تطور واكتمل واستقل، ولكن دخلته اصطلاحات المتكلمين ليثبتوا بعض ما تناولوه بطريق العقل على زعمهم أن العقل مقدم على غيره. كما خالطته طرق الفقهاء ليؤيدوا به فروع مذهبهم إذا تعارضت مع غيرها. وهكذا أصبح لكل مذهب قواعد ومنهج. وتعدّدت كتب الأصول بتعدد المذاهب، وأصبح من اللازم لكل ناظر في مذهب من مذاهب الأئمة أن يعرف قواعده وأصوله، فكان أصول الفقه تبعاً لذلك في مقدمة الفنون التي عنى بها العلماء في كل زمان ومكان وكثرت التآليف فيه. وقد اشتهر منها كتاب "روضة الناظر" للعلامة ابن قدامة، الذي كان من أشهر أئمة الحنابلة، وكان كتابه مشهور في هذا الفن لسعته وملاءمته وعنايته بقواعد مذهب الإمام أحمد مع بيانه لأصول بقية المذاهب فيما فيه الخلاف. وقد وقع الاختيار عليه ليكون الكتاب المعوّل عليه في تدريس قواعد الأصول في الكثير من الجامعات والمعاهد الدينية، وذلك بعد الاعتناء به بحل إشكاله، وكشف غموضه، وتجميع شتاته، وتفصيل مجمله من قبل الشيخ محمد الأمين بن المختار الشنقيطي الذي، في الوقت ذاته، قام بتدريس أصول الفقه في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.وقد شمل هذا الكتاب "مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر" مؤلَّف ابن قدامة كله ما عدا المقدمة المنطقية التي افتتح بها المؤلف كتابه وضمنها ما لا بد منه من اصطلاحات المتكلمين المداخلة لهذا الفن تسهيلاً لفهمها، ومسايرة لمنهج دراسة هذا الفن، وقد شملت مباحث الحد والبرهان، وأنواع الدلالة، وأقسام القضايا ونحو ذلك، وها هي بين يدي الطلاب في هذا الكتاب، لتغنيهم عن غيرها، ولا سيما في مواطن الترجيح والمباحث العقلية، حيث يجدونها بعيدة عن تعقيد الفلسفة وخالصة من شوائب السفسطة، جاءت على هدي الكتاب والسنّة وعقيدة سلف الأمة يدرسونها مطمئنين ويتلقونها بيقين، لما لمؤلفها محمد الأمين بن المختار الشنقيطي من يد طولى وأثر حميد في هذا الفن، وما يتصل به من عقائد ونصوص وأحكام وعلوم اللسان والمنطق والبيان مما يجعل مباحث الكتاب على هذا الشكل وافية شاملة.