يرى الشعبيون أن العلمانية لم تنبت هنا عربياً من الصراع الإجتماعي الداخلي ولم تنشأ إذن نتيجة لتفكك وتحلل القيم التقليدية الموروثة وزوال فعاليتها في الممارسة اليومية والجماعية، ولكنها نشأت عن طريق التبني من قبل نخبة محدودة العدد، وغالباً معزولة عن الشعب.ويستنتجون بالتالي أن العلمانية تحولت إلى "رديف الديكتاتورية"، ليصلوا بالتالي أ...
قراءة الكل
يرى الشعبيون أن العلمانية لم تنبت هنا عربياً من الصراع الإجتماعي الداخلي ولم تنشأ إذن نتيجة لتفكك وتحلل القيم التقليدية الموروثة وزوال فعاليتها في الممارسة اليومية والجماعية، ولكنها نشأت عن طريق التبني من قبل نخبة محدودة العدد، وغالباً معزولة عن الشعب.ويستنتجون بالتالي أن العلمانية تحولت إلى "رديف الديكتاتورية"، ليصلوا بالتالي أن ثمة تعارض بين مصالح العلمانية ومصالح التحرر والإنعتاق العام للمجتمع، وهم يدللون على ذلك بأن أحداً من دعاة العلمانية لم ينخرط في أي معركة من معارك الحرية، لا الفكرية ولا السياسية... وبعض من جذبته الحركة قليلاً قصر جهده على الدعوة إلى ليبرالية فجة تستنجد بالقوى الأجنبية وتدعو إلى تعليق الآمال جميعاً عليهاً.بينما يرى الإعتذاريون أن مفهوم العلمانية قد تعرض لتهمتين باطلتين: أولاهما أن العلمانية تتعارض مع الإسلام، وثانيهما أن العلمانية نتاج غربي، وهم في دفاعهم يقرون أن النقطتين السابقتين هما فعلاً تهمتان أو سبتان، ينبغي لهم أن يتصدوا لكشف بطلانهما، وهم في دفاعهم يركزون على أن العلمانية لا تتعارض مع الإسلام وأنها ليست نتاجاً غريباً.كلا الفئتين الشعبوية والإعتذارية تجعل العلمانيين في موقف إتهام مستمر، فالشعبويون يخبرونك بين حالتين: فإما أن تكون مع الجماهير، حتى ولو كانت هذه الجماهير طائفية ومنغلقة، أو أن تكون مع الدكتاتورية.والإعتذاريون يفرقون أمام سلطة الأئمة والدعاة المتنامية فيجعلونك تسارع إلى التبرؤ من العداء بين العلمانية والإسلام، وتبحث عن جذور محلية للعلمانية، كيلا تتهم بالإستيراد من الغرب.والحال كما سنرى لاحقاً بين دفتي هذا الكتاب أن النقاش ينبغي أن يكون في مكان آخر. والسؤال الذي ينبغي أن يطرح هو حول ما إذا كانت العلمانية هي أفضل الحلول لتعايش مجموعات دينية وعرقية ومجتمعية مختلفة على أرض واحدة متمتعين بالحقوق ذاتها والواجبات ذاتها أم لا، بغض الطرف عما إذا كانت تتوافق أم تتعارض مع ديانة بعينها، ذلك أن فرض عقيدة بعينها ترى أن ثمة طريقة واحدة لتحقيق الخير هو طغيان واضح وحرمان لأعضاء في المتحد الإجتماعي لا يؤمنون بهذه العقيدة، ولكنهم مستعدون للعمل مع الأعضاء الآخرين في الإنتاج والعيش وبناء الدولة الواحدة.