هكذا، يمثل تناول منظمات العمل الإجتماعي النسائي عندنا لمسألة العنف ضد النساء نموذجاً لحضور "السياسي" على أرض "الإجتماعي". وقد إنقسمت الفئات النسائية بإزاء المسألة المذكورة بين توجهين: أحدهما ناشط بمواجهة العنف ضد النساء ويضع نفسه في مساق عالمي، قوامه الحركة النسائية العالمية، وثانيهما متردد ومشفق من تراجع محورية مرجعيته الدينية ...
قراءة الكل
هكذا، يمثل تناول منظمات العمل الإجتماعي النسائي عندنا لمسألة العنف ضد النساء نموذجاً لحضور "السياسي" على أرض "الإجتماعي". وقد إنقسمت الفئات النسائية بإزاء المسألة المذكورة بين توجهين: أحدهما ناشط بمواجهة العنف ضد النساء ويضع نفسه في مساق عالمي، قوامه الحركة النسائية العالمية، وثانيهما متردد ومشفق من تراجع محورية مرجعيته الدينية للتعامل مع هذه المسألة. لكن أسلوب المواجهة بين الفئتين المنقسمتين لم يكن صدامياً، بل كان التفاعل بينهما يدل على حرص كل واحد منهما على تجنب إلغاء الآخر. وكانت الرغبة في الحوار جلية لدى الطرفين، تعبيراً عن اللجوء إلى "السياسة" في بعض معانيها الصافية. وذلك بخلاف ما شهدنا سابقاً في ما عرف بـ "معركة الزواج المدني" حيث أملت المرجعيات الدينية، بصلف نادر، قفل الحوار حول المسألة وعدم العودة إليه. إن العمل على نقل ما كان مصنفاً من شؤون "الخاص" إلى المجال العام فرض على النساء في المنظمات غير الحكومية عندنا مواجهة بين أطرافها ذات طابع سياسي. لكن التسييس لم يأخذ في هذه الحالة طريق التطييف المعتاد في حياتنا العامة؛ فلم تنتظم النساء في الطرفين المتقابلين وفق إنتماءاتهن الطائفية، كما حصل في أواسط القرن الماضي إثر معركة الحقوق السياسية النسائية، إنما وفق إلتزامات وقناعات أكثر تعقيداً. وتميزت المواجهة بين الطرفين باللاعنف وبقبول الآخر المختلف والسعي لـ "سياسة" الخلافات بينهما بالحوار. ويبدو لنا أن مسألة العنف ضد النساء، وبعكس مسائل أخرى، فتحت ثغرة في النظام الجندري الأبوي يسع النساء اللبنانيات أن ينفذن منها لخلخلة بنيانه القائم على إيديولوجية دينية مطعمة بأساطير ومنمطات تهاوت قاعدتها المادية منذ زمن: دونية المرأة الإجتماعية، لا حيلتها الإقتصادية، طفوليتها النفسية، قصور قدراتها العقلية والأخلاقية.