قد درج الدارسون في ميدان الأدب الأندلسي على تسميته باسم الإقليم الذي ظهر فيه وهو الأندلس، لا إلى زمن بعينه، وهي حالة تفرّد بها هذا الأدب. ومن الأسف أن هذا الأدب شهد نهايته بخروج العرب من الأندلس خروجا نهائيا، ولكنه ظل شاهداً على الزمن العربي فيها.وزّعتُ الكتاب على تسعة فصول، جاء أولها تمهيدا لهذه الدراسة، تحدّثت فيه بإيجاز عن ال...
قراءة الكل
قد درج الدارسون في ميدان الأدب الأندلسي على تسميته باسم الإقليم الذي ظهر فيه وهو الأندلس، لا إلى زمن بعينه، وهي حالة تفرّد بها هذا الأدب. ومن الأسف أن هذا الأدب شهد نهايته بخروج العرب من الأندلس خروجا نهائيا، ولكنه ظل شاهداً على الزمن العربي فيها.وزّعتُ الكتاب على تسعة فصول، جاء أولها تمهيدا لهذه الدراسة، تحدّثت فيه بإيجاز عن الحياة السياسية، فالاجتماعية، فالحضارة الأندلسية والحياة الثقافية، ومدى تأثير ذلك في مسيرة الأدب الأندلسي، ثم انتقلت إلى الفصل الثاني، فتناولت الأغراض الشعرية التقليدية من مديح، ورثاء، وغزل، وهجاء، وزهد وتصوف، وهي أغراض يغلب عليها تقليد المشارقة في صورهم وألفاظهم، لا نكاد نتبين من خلالها روحاً أندلسية، وقد بقيت هذه الظاهرة إلى أوائل القرن الخامس الهجري، وبدت في شعر ابن عبد ربه، وابن هانئ، وابن شُهيد، وابن درّاج القسطلي. ثم أتيت في الفصل الثالث على شعر الطبيعة، فأوضحت بواعثه وتحدّثت عن موضوعاته وذكرت خصائصه، ولا شك في أن طبيعة الأندلس الخلاّبة جعلتهم يُكثرون من وصف الطبيعة والتغني بمحاسنها.وتحدّثت في الفصل الرابع عن فنون الشعر المستحدثة في الأندلس وهي الموشحات والزجل، والتي تبرز فيها الشخصية الأندلسية وقد دفعهم إلى التفنن فيها تطور اجتماعي تمثل في مجالس الغناء والطرب واللهو. وفي المفاضلة بين الأندلس وبرّ العُدوة (المغرب) يقول أبو الوليد الشقندي عن إشبيلية: «وأما ما فيها من الشعراء والوشاحين والزّجالين فيما لو قُسموا على برّ العُدوة ضاق بهم».وانتقلت في الفصل الخامس إلى الأغراض الشعرية الموسّعة وشعر رثاء المدن والممالك على وجه الخصوص، وهو من الأغراض التي توسعوا فيها، وقد كان لسقوط مدنهم في أيدي الإسبان أثر بالغ في الإكثار من هذا الشعر.وتحدثت في الفصل السادس عن أعلام الشعر الأندلسي بدءاً بالمقلدين الذين أشرنا إلى طائفة منهم، ومروراً بالشعراء الذين ترددوا بين المحاكاة والتجديد من أمثال ابن زيدون، والمعتمد بن عباد، وانتهاءً بالمجددين الذين بلغت بهم الحركة الشعرية مداها من أمثال ابن حمديس، وابن خفاجة.وتناولت في الفصل السابع شاعرات الأندلس، اللاتي عشن في بيئة أندلسية متنوعة الأصول، نالت فيها المرأة جانباً من التحرُّر. وكشف شعرهنَّ عن جوانب مهمة في نفسية المرأة.وحرصت في الفصل الثامن على الوقوف عند بعض القصائد المشهورة، وهي قصيدة ابن زيدون النونية التي بعث بها إلى ولادة بنت المستكفي من إشبيلية بعد هروبه من سجن ابن جهور في قرطبة سنة 432هـ متشوقاً إليها، وقصيدة ابن خفاجة في وصف الجبل، وقصيدة أبي البقاء الرّندي في رثاء الأندلس.أما الفصل التاسع وهو الفصل الأخير فقد تناولت فيه فنون النثر الأندلسي، من فنون شفاهية كالخطابة والمناظرات، وفنون النثر الكتابي من رسائل ديوانية وإخوانية وأدبية، وسرديات متنوعة من مقامات أندلسية، ورسائل قصصية تمثلت في «التوابع والزوابع» لابن شُهيد، و«حي بن يقظان» لابن طفيل، ودراسات فكرية أدبية تمثلت في كتاب «طوق الحمامة» لابن حزم.وأخيراً، فإني لأرجو أن أكون قد وُفّقت في هذه الدراسة، وهي جدّ متواضعة، قابلة للتطوير والتجديد، وليست نهاية المطاف، وفي ذلك يقول العماد الأصفهاني مقولته المشهورة: «إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه إلا قال في غده: لو غُيّر هذا لكان أفضل، ولو تُرك هذا لكان أفضل، ولو تُرك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر».