إن مشكلة "تقسيم العصر الجليدي" التي يعالجها هذا البحث هي في الواقع مشكلة تختص في معظمها بتاريخ الأرض، فهي إذن مشكلة جيولوجية. وعلى الرغم من أن علوم الجغرافيا والمناخ والأحياء وعلوم ما قبل التاريخ قد ساهمت وما تزال تساهم في الدراسات الخاصة بالزمن الرابع، إلا أنها جميعاً تعتمد غالباً في دراستها ووجهات نظرها الخاصة في هذا المجال عل...
قراءة الكل
إن مشكلة "تقسيم العصر الجليدي" التي يعالجها هذا البحث هي في الواقع مشكلة تختص في معظمها بتاريخ الأرض، فهي إذن مشكلة جيولوجية. وعلى الرغم من أن علوم الجغرافيا والمناخ والأحياء وعلوم ما قبل التاريخ قد ساهمت وما تزال تساهم في الدراسات الخاصة بالزمن الرابع، إلا أنها جميعاً تعتمد غالباً في دراستها ووجهات نظرها الخاصة في هذا المجال على نتائج الأبحاث الجيولوجية. ومع هذا فإن أحداً لا يستطيع أن ينكر الدور الكبير الذي قام به علم الجغرافيا وما ساهم به في نمو وتطور الأبحاث الخاصة بالعصر الجليدي. إذ أن كثيراً من أفرع الجغرافيا تهتم اهتماماً خاصاً بإيضاح التتابع والتطور الذي حدث في أحدث عصور عمر الأرض، ولهذا فقد توفر هذا العلم في كثير من أفرعه على دراسة كثير من ظاهرات الزمن الرابع التي يعتبرها أسّاً له لا غنى عنها.وينبغي وبناء على ذلك أن نتوقع أن دراسة تأتي من جانب الجغرافيا لا شك تكون ذات قيمة، ليس في حدّ ذاتها فحسب، بل أيضاً بالنسبة للعلوم الأخرى التي تشتغل بالدراسات الجليدية. والبحث الذي يتضمنه هذا الكتاب لا يتعرض لأسس وأسباب التطور والتتابع المناخ للعصر الجليدي، كما أنه ينأى عن التعرض للتاريخ المطلق (التاريخ بالأرقام) للعصر الجليدي، وإن كان هذا التاريخ فيما يختص بأحدث المراحل الجليدية قد أحرز كثيراً من التقدم في السنين العشر الأخيرة عن طريق دراسة العناصر المشعة.ولكن البحث ينصب على الخصوص على إبراز ما قد ثبت بالأدلة، وما هو في حيز الافتراض أو الاحتمال، دون الدخول في تفصيلات كل الأبحاث والآراء التي قد تتصف، أو بعضها، بالتسرع والعجلة. ويحاول البحث من وراء هذا وذاك أن يهتدي إلى الأسس الصحيحة التي بالإمكان البناء عليها صرح "تصنيف العصر الجليدي".هذا وقد تمّ تقسيم البحث إلى عشرة فصول هي: 1-السمات العامة لمناخ العصر الجليدي، 2-ملامح العصر الجليدي في مختلف النطاقات المناخية على وجه الأرض، 3-العصر الجليدي في نطاق مرتفعات الألب، 4-العصر الجليدي في شمال أوروبا، 5-أراضي أوروبا التي لم يغطها الجليد. اللوس وظاهرات هوامش الجليد، 6-العصر الجليدي في أمريكا الشمالية، 7-الثلاجات الأخرى في نطاق المرتفعات وتخومها، 8-التذبذب في منسوب مياه البحيرات في النطاقات الجافة على سطح الأرض وعلاقته بالتغيرات المناخية أثناء عصر البلايوستوسين، 9-الذبذبات في مستوى مياه البحار العالمية أثناء عصر البلايوستوسين. أما الفصل العاشر فقد تضمن الخاتمة التي هي عبارة عن نتائج توصل إليها الباحث.وتجدر الإشارة إلى أن هذه الطبعة التي هي الثانية هي طبعة معدلة حيث تمّت إضافة فصل جديد عن عصور المطر في صحارى العالم الإسلامي لما لهذه العصور من ارتباط قوي من حيث الزمن والمسببات بعصور الجليد في أوروبا خاصة، وفي مختلف القارات عامة.