يعتبر وجود المجتمع السياسي، من الناحية القانونية، الشرط الأساسي لوجود الدستور، وهذا يعني أن وجود الدولة (وإن تكن ناقصة السيادة، أو ذات نظام جمهوري أو ملكي، أو نظام برلماني أو دكتاتوري) شرط أساسي لوجود الدستور أو القواعد الدستورية.وقد كان لكل دولة، على مر العصور، دستور ينظم العلاقات بين الأفراد والهيئات العامة التي تتولى المسؤولي...
قراءة الكل
يعتبر وجود المجتمع السياسي، من الناحية القانونية، الشرط الأساسي لوجود الدستور، وهذا يعني أن وجود الدولة (وإن تكن ناقصة السيادة، أو ذات نظام جمهوري أو ملكي، أو نظام برلماني أو دكتاتوري) شرط أساسي لوجود الدستور أو القواعد الدستورية.وقد كان لكل دولة، على مر العصور، دستور ينظم العلاقات بين الأفراد والهيئات العامة التي تتولى المسؤوليات السياسية والإدارية فيها. ولكن الدساتير كانت، في الماضي، تقوم على العرف وترتكز على النظام الملكي المطلق الذي لا يعترف بالحقوق الفردية ولا يحترم الحريات العامة. أما اليوم فغالبية الدساتير أصبحت مدونة تحمي الحقوق وتصون الحريات وتنظم السلطات والإدارات وتضع حدوداً لسلطة الحاكم.وكانت الدساتير القديمة القائمة على العرف لا تتضمن إلا القواعد المتعلقة بنظام الحكم، فأصبحت اليوم تشمل، بالإضافة إلى هذه القواعد، موضوعات أخرى تتعلق بالحريات العامة ومختلف الحقوق الفردية والجماعية، الاقتصادية والاجتماعية.وكلمة "دستور" مصطلح حديث في الأنظمة السياسية، ففي القرنين الماضيين كانت تستعمل مصطلحات أخرى، مثل: الميثاق الدستوري، أو العهد الدستوري، أو القانون الدستوري، أو القانون الأساسي... إلا أن مصطلح "الدستور" أو "القانون الدستوري" هو الغالب اليوم.وكلمة "دستور" المستعملة في اللغة العربية، كلمة فارسية تعود جذورها إلى اللغة البهلوية القديمة. وفي الماضي استعمل العرب هذه الكلمة بمعنى سجل الجند، ثم بمعنى مجموعة قوانين الملك. وأخيراً أطلقها العثمانيون على دستورهم الأول الصادر في العام 1876. وشاع استعمالها، منذ نهاية القرن التاسع عشر، بمعنى القانون الأساسي الذي يتضمن القواعد الخاصة بنظام الحكم في الدولة.ومع أن الكلمة دخلت اللغة العربية واستخدمت للتعبير عن المعنى المشار إليه، فإن اللغة الفارسية أهملتها واستعاضت عنها بمصطلح "حقوق أساسي"، أي القانون الأساسي، أو القانون الدستوري كما نقول في اللغة العربية. ويبدو أن كلمة "الدستور"، بمعناها الراهن، لم يستعمل في الأقطار العربية على نطاق واسع، إلا بعد الحرب العالمية الأولى، أي في فترة النضال لنيل الاستقلال.ويعتبر الدستور الوثيقة القانونية والسياسية الأسمى في الدولة، أو الإطار العام الذي يحدد نظام الدولة، وينظم عمل السلطات فيها، ويكفل حقوق الأفراد والجماعات، ويجسد تطلعات الشعب. ولهذا فإن أي تغيير أو تبديل يطرأ على البنية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية للدولة يستتبع، حتماً، تبديل دستورها أو تعديله بما يتلاءم مع الأوضاع والظروف الطارئة أو المستجدة. ولأن الدستور هو القانون الأعلى للدولة فإن جميع التشريعات التي تصدر في الدولة يجب أن تخضع لأحكامه.والناحية المهمة التي تسترعي الانتباه لدى التعمق في الدراسات الدستورية هي أن الدستور ليس مجموعة فقط من القواعد القانونية المدونة في وثيقة مكتوبة تتعلق بنظام الحكم في الدولة، وإنما هو أيضاً عملية صياغة قانونية لفكرة سياسية استطاعت، في صراعها مع الأفكار الأخرى، أن تؤكد انتصارها بوصولها إلى السلطة وفرض فلسفتها واتجاهاتها كقواعد قانونية ملزمة.ولو ألقينا نظرة عجلى على الأوضاع الدستورية في الإطار العربية لوجدنا أنها كلها تقريباً قد خضعت، لفترات طويلة للاستعمار أو الاحتلال أو الضم بأشكاله المختلفة. إلا أنها، مع نهاية الحرب العالمية الثانية، أخذت تستقل، الواحدة تلو الأخرى، وتضع لنفسها (باستثناء واحدة أو اثنتين) دساتير عصرية.ونلاحظ أن الدساتير العربية التي ظهرت حتى بداية الستينات من القرن العشرين كانت متأثرة، إلى حد كبير، بالنمط الغربي لمفهوم الديموقراطية، فكان التركيز على المضمون السياسي هو الأمر البارز فيها، ومنذ بداية الستينات، ونتيجة لتدهور العلاقات بين الوطن العربي والغرب الاستعماري وقيام روابط وثيقة، في المقابل، بين معظم الأقطار العربية والدول الاشتراكية آنذاك، أخذت الدساتير العربية تهتم بالنواحي الاقتصادية والاجتماعية إلى جانب الناحية السياسية.ونلاحظ أيضاً أن الغالبية الساحقة من الدول العربية، يفعل التقلبات التي طرأت على نظامها السياسي، قد غيرت دساتيرها، منذ استقلالها، أكثر من مرة، باستثناء لبنان الذي حافظ على دستوره الذي وضع في العام 1926، في عهد الانتداب الفرنسي واكتفى، لكي يواكب التطورات ويتفاعل مع المستجدات، بإدخال تعديلات (جذرية أحياناً) عليه.وكل بحث في القانون أو النظام السياسي لأية دولة يتطلب أولاً، دراسة المبادئ العامة للقانون الدستوري، ثم إلقاء نظرة على أهم النظم السياسية في العالم، وأخيراً دراسة النظام الدستوري القائم في تلك الدولة. ولهذا فقد عالج الدكتور "محمد مجذوب" هذه الموضوعات في أبواب ثلاثة: الباب الأول: المبادئ العامة للقانون الدستوري. الباب الثاني: أهم الأنظمة السياسية والدستورية في العالم. الباب الثالث: النظام الدستوري في لبنان.