قلت لنفسي: إذا كنا نسائل أبنائنا وبناتنا في مراحل التعليم المتنوعة عن سر التعبير بكلمة دون أخرى، وأي الكلمتين أجمل؟ وأي التعبيرين أدق وأفضل؟ إلي غير ذلك من أسئلة التذوق الجمالي، فجدير بنا أن ننمي فيهم ألواناً من المهارات اللغوية لإقدارهم علي معرفة تلك "الفروق اللغوية"، وحسن التذوق، وتحديد الأفكار، وتمييز بعضها من بعض "ولا شك أن ...
قراءة الكل
قلت لنفسي: إذا كنا نسائل أبنائنا وبناتنا في مراحل التعليم المتنوعة عن سر التعبير بكلمة دون أخرى، وأي الكلمتين أجمل؟ وأي التعبيرين أدق وأفضل؟ إلي غير ذلك من أسئلة التذوق الجمالي، فجدير بنا أن ننمي فيهم ألواناً من المهارات اللغوية لإقدارهم علي معرفة تلك "الفروق اللغوية"، وحسن التذوق، وتحديد الأفكار، وتمييز بعضها من بعض "ولا شك أن الألفاظ هي الوسيلة لتحديد الأفكار، وتمييز بعضها من بعض.وإذا كانت المدلولات متنوعة فمن اللازم تتنوع الدوال تبعاً لها. ولا شك في أن الأفكار متفاوتة معنى ومدلولاً، عموماً وخصوصاً، جنساً ونوعاً. ولولا الألفاظ ما أمكن تقسيمها، وتصنيفها، ولا تحليلها وتركيبها. وآية الفكر الدقيق تعبير دقيق يؤديه، والعبارة المحكمة تؤدي إلي تفكير محكم.وقديماً وجه "أبو هلال العسكري" أحد أعلام القرن الرابع الهجري- أنظارنا إلي تلك الفروق الدقيقة بين ما يسمي "بالمترادفات" وصولاً إلي تعبير دقيق يكون آية فكر دقيق، وعبارة محكمة تقودنا إلي تفكير محكم، ولقد شهد القرن الرابع الهجري قمة ما بلغته الثقافة العربية، وما أنجزته في ميادين التقدم علي اختلافها.ولقد كانت للعلماء في الترادف آراء متباينة، ومن أجل هذا وضع أبو هلال العسكري كتابه هذا: "الفروق اللغوية" للإبانة عن الفروق الدقيقة بين المترادفات مدللا بصورة عملية علي ما ذهب إليه.فهناك لغة ميسرة بسيطة يتعامل بها الناس في شئونهم العامة، ويكتفون منها بتقارب الدلالات، ولا يكادون يفرقون بين الكلمات، وهذه اللغة تقر الترادف، وتتوسط فيه، وهناك اللغة الفنية الراقية الدقيقة المحكمة، وهي لغة تتحرى الدقة، وتتوخي الإحكام في البيان، وترى للألفاظ خصائصها الفارقة، وسماتها المميزة، وهي بهذا لا تعترف بالترادف.والعالم الناقد، والفاحص الفني حين يفاضل بين المنشئين، فاحصا أساليبهم يحتكم إلي اللغة الفنية ليتعرف من خلالها علي دقائق المعاني، وسمات التفوق والإبداع التعبيري، والتصويري.وحين يشرح الأساليب ويبسطها، ويقرب معانيها للعامة يستعين باللغة البسيطة مكتفياً من الألفاظ بمعانيها القريبة دون ان يكون متناقضاً في حالتيه!فإلي الذين يزنون الكلمات، ويريدون لها أن تعبر عن أفكارهم ومشاعرهم، وأحاسيسهم، ونبضات قلوبهم أقدم كتاب "الفروق اللغوية" محققاً في ثوب جديد.