هذا الكتاب هو أول مؤلف يصدر عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ويتناول بالدراسة والتحليل حركة حقوق الإنسان في العالم العربي في مؤلف جماعي بأقلام عدد من أبرز النشطاء العرب في هذا المجال. وإذا كان هذا الكتاب هو شهادة حيّة على واقع الحركة العربية لحقوق الإنسان فإن مجرد صدوره هو مؤشر هام بحدّ ذاته على درجة نضج هذه الحركة.ففي وقت ...
قراءة الكل
هذا الكتاب هو أول مؤلف يصدر عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ويتناول بالدراسة والتحليل حركة حقوق الإنسان في العالم العربي في مؤلف جماعي بأقلام عدد من أبرز النشطاء العرب في هذا المجال. وإذا كان هذا الكتاب هو شهادة حيّة على واقع الحركة العربية لحقوق الإنسان فإن مجرد صدوره هو مؤشر هام بحدّ ذاته على درجة نضج هذه الحركة.ففي وقت تكافح فيه المنظمات العربية لحقوق الإنسان من أجل الحصول على الشريعة القانونية وتأسيس شرعيتها الثقافية في مواجهة الثقافة السياسية السائدة التي تسهل التضحية بقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان لاعتبارات أخرى. وفي مواجهة المدارس الفقهية السلفية السائدة، التي يحاول أنصارها أن يصورا المدافعين عن حقوق الإنسان باعتبارهم معادين للإسلام. في وقت تمتزج فيه حملات "التكفير" السياسي المعارضة على-حد سواء-بحملات التكفير الديني على يد بعض كتاب الإسلام السياسي، فإن هذا لم يحل دون أن يقوم المراقبون لسجلات حقوق الإنسان "بمراقبة" أداء منظماتهم، وتشخيص نواقصها وأمراضها، وتقديم نقد ذاتي صريح ومعمّق.وفي هذا الإطار تتميز المقالات والدراسات التي يتضمنها الكتاب بالابتعاد عن الطابع التقريري، وبالنظر إلى منظمات حقوق الإنسان باعتبارها كائناً اجتماعياً له رسالته التي يسعى بها للتغيير، ومن ثم دراسة وتحليل انعكاسات ذلك الواقع الاجتماعي السياسي والثقافي والديني على هذه المهمة، وعلى القائمين عليها أنفسهم، لاستخلاص دروس الإخفاقات والنجاح في التفاعل مع ذلك الواقع، وبالإضافة إلى استطلاع التحديات الجديدة التي تواجه الحركة. ويستلفت النظر أنه مع تنوع جنسيات مؤلفي هذا الكتاب (المغرب، تونس، السودان، مصر، سوريا، فلسطين)، وتباين ملابسات النشأة التاريخية والسياسية لمنظمات حقوق الإنسان في هذه الجولة ما بين دول ملكية وجمهورية، ومحتلة بإسرائيل، ومحكومة بالإسلام السياسي، واختلاف الفترة الزمنية ما بين منظمات نشأت في منتصف الستينات (تونس)، إلى بداية التسعينات (فلسطين)، فإن هناك إجماعاً على التأثير الطاغي للبيئة السياسية والاجتماعية والثقافية في العالم العربي على مسار الدفاع عن حقوق الإنسان. ربما بأكثر مما ترصده هذه الدراسات من تأثير للحكومات ذاتها. ومن خلال ذلك يتبين أيضاً وجود أرضية واقعية مشتركة للحديث عن أفق حركة عربية لحقوق الإنسان، وهو التعبير الذي استخدمه كاتب المقدمة منذ البداية، مع التسليم-لأسباب متعلقة بالتطور التاريخي-بأننا لسنا إزاء حركة بالفعل بعد. ولن يشعر القارئ العربي-وخاصة المنخرط في منظمات حقوق الإنسان-لن يشعر بغربة وهو يقرأ دراسات لكتّاب من هذه البلدان الست، حتى لكأنه سيجد نفسه يقرأ عن بلده أو عن تجربة منظمة حقوق الإنسان في بلده.