لقد أصبح طبيعياً القول: إن الدراسات المقارنة التي تحتل مقامها المرموق في سياق الأبحاث القانونية والاقتصادية المتنوعة في الإشكاليات العلمية المطروحة على بساط البحث، تقتضي منذ البداية اعتماد منهج يراعي المنظورين الوضعي والشرعي في آن معاً، وهو ما تحاول أن تتوسله فصول هذا الكتاب الذي ينقسم إلى ثلاثة أبواب أساسية: أولها باب "الاقتصاد...
قراءة الكل
لقد أصبح طبيعياً القول: إن الدراسات المقارنة التي تحتل مقامها المرموق في سياق الأبحاث القانونية والاقتصادية المتنوعة في الإشكاليات العلمية المطروحة على بساط البحث، تقتضي منذ البداية اعتماد منهج يراعي المنظورين الوضعي والشرعي في آن معاً، وهو ما تحاول أن تتوسله فصول هذا الكتاب الذي ينقسم إلى ثلاثة أبواب أساسية: أولها باب "الاقتصاد في النظم الوضعية"، وثانيها باب "الاقتصاد في الشريعة الإسلامية"، وثالثها باب "البنوك الإسلامية".ومن الواضح أن مضمون الباب الأول العائد للنظم الوضعية يبحث في السياسة الاقتصادية، وبصورة خاصة السياسة النقدية نظراً لكونه يركّز أساساً على النقود والنظم النقدية، وذلك عبر دراسة مفصّلة للتيارات التي أرستها المدارس الاقتصادية الحديثة وللمفاهيم التي أرستها تلك التيارات.كما وتم في هذا الباب التحدث عن نشأة النقود وتطورها، وفي تطور النقود العربية والإسلامية، ولا سيما تطورها في كل من سوريا ولبنان، كما وتم البحث في طبيعة النقود، وفي صعوبات المبادلة ووظائف النقود، مع توقف متأن أمام قيمة هذه النقود من جهة، وأنواعها من جهة ثانية.وبعد ذلك تم فيه رصد بحث مسهب للنظم النقدية الثلاثة: النظام النقدي المعدني، والنظام النقدي الورقي، والنظام النقدي المصرفي. ولم يتم إغفال دراسة "الإصدار النقدي"، من خلال العرض السابغ لقواعد إصدار النقود الورقية، وتطورات تطبيق قواعد الإصدار النقدي والسياسة النقدية.وبالانتقال إلى مضمون الباب الثاني العائد للشريعة الإسلامية فقد مهد له بإيضاحات تمهيدية حول المشكلة الاقتصادية وفكرة المسؤولية، وتم تعزيز هذا التمهيد بعرض وافٍ "للمصطلحات الاقتصادية المعاصرة" التي قد يشكل أمر فهمها حتى على بعض الباحثين المتخصصين، ثم بطرح إشكالية "البحوث الإسلامية في اللغات الأجنبية".كما وتم في هذا الباب رصد فصل خاص يحمل عنوان "نظرات في الاقتصاد الإسلامي"، نظاماً ومذهباً، حيث درس فيه شمولية مشهودة نظام الوسطية الاقتصادية في الإسلام، مع المرور على سمات النظام الاقتصادي الإسلامي، كما وتم في هذا الباب عرض من ثم الأركان الأساسية لهذا النظام الإسلامي، المتمثلة خصوصاً في إقرار الإسلام للملكية الخاصة والملكية العامة معاً، وفي الحرية الاقتصادية المقيدة، وفي تدخل الدولة في الاقتصاد، وفي الإنتاج في ضوء القيم الإسلامية.وخلال عرض المذهب الاقتصادي الإسلامي، تم تناول عناصره المتمثلة في استغلال الطاقة البشرية أو العمل، وفي الملكية المزدوجة وفي الحدّ من التسلط الفردي على الثروات الطبيعية، وفي الحرية الملتزمة سلباً وإيجاباً، وفي التوازن والتكامل، وفي حق السلطة في الرقابة والتدخل لتحقيق المصلحة العامة.بعد ذلك، تم التحدث عن "الجوانب الاقتصادية للزكاة". ومن ثم تم تقديم بحث وافي في موضوع "الإنصاف في النظام المالي الإسلامي". وفيه تم إلقاء الضوء بوجه خاص على نظرة الإسلام إلى المال، وعلى تبلور فكرة "المال العام" في الإسلام.وبالانتقال إلى الموارد المالية قبل الإسلام، ركزت الدراسة على ما ورد في العهد القديم (التوراة) وفي العهد الجديد (الأناجيل الأربعة: يوحنا، ولوقا، ومتى، ومرقس) وفي القرآن الكريم، مما مهّد بعد ذلك، البحث في الموارد المالية في الإسلام، متوقفة خصوصاً أمام مفهوم "الإحسان العام والإحسان الخاص"، وإيرادات الدولة عن أملاكها، وحصيلة الضرائب، وحصيلة الرسوم، والموارد المالية غير العادية، والخمس من الغنيمة، والتبرعات والهبات، والقروض العامة.ثم استكمالاً للجوانب التي يقتضيها البحث الاقتصادي الإسلامي، قدمت الدراسة عرضاً للتطور التاريخي للنقود في الآثار الإسلامية والعربية، ولما ورد من ذكر للنقدين (الذهب والفضة) في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.وبالإضافة إلى ما ورد في الآثار الإسلامية والعربية وحول التطور التاريخي للنقود، فقد كان لا بد من عرض تطور النقود العربية والإسلامية، ابتداءً بالدينار الذهبي والدرهم الفضي، ثم النقود في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز، والنقود الأموية، والنقود في العهد العباسي، والنقود في العهد الطولوني، والنقود في العهود الأخشيدية والبويهية والحمدانية، والنقود في العهد الفاطمي، والنقود في العهد الأيوبي، والنقود في العهد المملوكي، والنقود في العهد العثماني، والنقود وتفكك الإمبراطورية العثمانية، وتطور النقد المصري في الحربين العالميتين.وختم هذا الباب من الكتاب بفصل خاص حول "الإسلام والمال ومعالجة الفقر"، وهو يتضمن ثبتاً بالحوار العلمي الذي أجرته صحيفة "اللواء" اللبنانية ونشرته في عددها الصادر يوم الجمعة 7 ربيع الأول 1405هـ، الموافق 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 1984، حيث كان لا بد من إيضاح الفرق بين المنهجين العربي والأوروبي، ومن طرح الإشكالية التي تؤكد على التلازم بين العدالة والاقتصاد في الإسلام، فضلاً عن إيضاح نظرة الإسلام إلى المال، وعن الإسلام ومحاربة الفقر، وعن كون المال مسؤولية لا سلطة، وعن الفائدة المصرفية والربا، وعن السوق الإسلامية المشتركة.ويبقى أخيراً الباب الثالث من الكتاب، وهو كما أسلفنا القول، مرصود لدراسة ظاهرة "البنك الإسلامي"، في سياق النشاط المصرفي العالمي الذي باتت فيه البنوك الكلاسيكية المتعاملة بنظام الفائدة عرضة للمنافسة الشديدة من جانب البنوك الإسلامية التي لا تتعامل بهذا النظام، خشية من أن يكون هذا التعامل متضمناً جانباً من جوانب العمل الربوي.