حينما كانت تتحسس "ستوتة" بيديها جدران ضريح "سيد بسيسة"، متمتمة بدعواتها الراجية لطفل تلوذ به من عيون الشاميتن تسميه على إسم ساكن الضريح.. وحينما إستجيبت دعواتها فتكور بطنها محققاً حلمها وحلم زوجها "محمد الزغل" بمجئ "صادق بسيسة" معلناً بداية آل بسيسة.. لم تكن وحدها على صفحات الرواية.. ولم تكن أحداث "سوق اللبن" وضريحه والمولود ا...
قراءة الكل
حينما كانت تتحسس "ستوتة" بيديها جدران ضريح "سيد بسيسة"، متمتمة بدعواتها الراجية لطفل تلوذ به من عيون الشاميتن تسميه على إسم ساكن الضريح.. وحينما إستجيبت دعواتها فتكور بطنها محققاً حلمها وحلم زوجها "محمد الزغل" بمجئ "صادق بسيسة" معلناً بداية آل بسيسة.. لم تكن وحدها على صفحات الرواية.. ولم تكن أحداث "سوق اللبن" وضريحه والمولود الجديد هى الخط الوحيد للرواية التى أبدعها مؤلفها الدكتور "ياسر منجى" بإسلوب قدير جمع فيه بين لغة عربية متقنة وسلسة معبرة عن التفاصيل والأحداث، بين لغة عامية واقعية غير مفتعلة فى حوارات شخصيات الرواية، لكن صاحبها خطوط أخر جعلتنا نتابع أحداث العالم وأحداث هذه البقعة الصغيرة معاً. فالرواية التى سطرت فصولها مقسمة عاماً بعد عام، تبدأ أحداثها عام 1896 وتأخذنا أيامناً وسنوات تدور بنا لتنتهى إلى عام 1975م.. لم تأخذ الطريق المعتاد للسرد الذى يتمحور حول الأبطال فقط، وإنما جاءت أحداثها متوازية مع أحداث العالم.. فنجد فصول تجمع بين "آل بسيسة" وبين أحداث عالمية وقد نجدها فى فصول أخرى تخلو منها وقد لا نجد سواها فى ثالثة. فحينما أتم "صادق بسيسة" عامة الأول كان المؤتمر الصهيونى الأول يدعو لإقامة وطن قومى فى فلسطين و كانت القوات المصرية استولت على "أبى حمد" فى السودان.. وقام الفرنسى "شارل باتى"بفصل سينما توجراف "لوميير" إلى شقيين، وهكذا تستمر الحياة في مسيرتها دافعة أمامها الأحداث فى شتى بقاع الأرض وفى "سوق اللبن" .. لنجد أمامنا رواية إستطاع مؤلفها من إحكام كافة الخيوط فى يده، فأخرجها عملاً جديراً بالتقدير والإعجاب والمطالعة.. عملاً يضئ العقل بالمتابعة والمفارقة والتساؤل وكذلك المتعة.