المستشارون العرب والسياسة الخارجية السعودية خلال حكم الملك عبد العزيز بن سعود (1953 - 1915)

عاش "عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل السعود" الأوضاع التي مرت بها بلاده منذ ولادته عام 1880، من خلال معارك استهدفت إقامة الدولة السعودية، وذلك على يد والده الإمام عبد الرحمن، فضلاً عن إفادته من مدة إقامته في الكويت ومن أميرها الشيخ مبارك الصباح (1896- 1915) وإطلاعه على حقائق الحياة السياسية وخفايا العلاقات الدولية، ولا سيما أن الكويت كانت حينذاك تعدّ مركزاً للتنافس السياسي والإقتصادي بين الدول الكبرى، كما استطاع إقامة علاقات طيبة مع قبائل المطير على الحدود النجدية - الكويتية.فضلاً عن إحتفاظه بصلات المودة والصداقة مع الشيخ "مبارك الصباح" أثناء إقامة في الكويت، على أن نجاح ابن سعود مع رجاله الستين في دخول الرياض يوم الخامس عشر من كانون الثاني 1902، وإستعادتها من سيطرة آل الرشيد، ومبايعته عقب تنازل والده عن جميع حقوقه في الإمارة إلى ولي عهده الأمير عبد العزيز.هذه التطورات السياسية شجعت أمير نجد للقضاء على حكم آل الرشيد في حائل، عبر قيامه بهجمات تمكن خلالها من الإستيلاء على القسم الجنوبي من نجد (الخرج والأفلاق) في العام نفسه، وفرض سيطرته على سوير والوشم والقصيم، وأخذت أقاليم نجد تخضع له، حتى دخوله في معارك ضد خصومه من آل الرشيد وحلفائهم العثمانيين، مستثمراً الضعف الذي أصاب أمراء آل الرشيد، لا سيما بعد مقتل زعيمهم عبد العزيز بن متعب عام 1905 وتحقيقه إنتصارات عليهم، انتهت بإنسحابهم من نجد عام 1906.وحالما تمت السيطرة على المناطق الداخلية المتمثلة في نجد والمدن المجاورة لها في السنوات اللاحقة، وترسيخ نفوذ ابن سعود داخل الجزيرة العربية، حتى تطلع للسيطرة على الأحساء الواقعة على ساحل الخليج العربي، فقاد جنده وتمكن من إحتلال الأخيرة عام 1913، فلجأ جند العثمانيين إلى قلاعه، وفي اليوم التالي سلمت الحامية بأكملها.وبذلك استطاع السيطرة على منطقة تعد من أغنى المناطق في البلاد العربية لإشتهارها بالمزارع وبساتين النخيل، فضلاً عن النفد الذي اكتشف لاحقاً فيها، وتبع ذلك إرسال أمير نجد سرية من رجاله إلى واحة القطيف فاحتلتها وفرّ الجنود العثمانيون فيها، وأسفرت هذه العمليات العسكرية التي خاضها ابن السعود إلى إمتداد مملكته من الكويت شمالاً إلى قطر جنوباً، ومن الخليج العربي إلى الحجاز.ومهما يكن من أمر، فقد استطاع "عبد العزيز بن سعود" وبعد صراعات داخلية ومواجهات خارجية من فرض سيطرته على منطقة واسعة في الجزيرة العربية امتدت في خليج العقبة إلى جدة، ومن ثم أصبحت بلاده ولأول مرة ومنذ قرون، تضم أقاليم نجد، ومن ثم أصبحت بلاده ولأول مرة، ومنذ قرون، تضم أقاليم نجد والأحساء والقطيف والحجاز وعسير دولة واحدة تحت زعامته.كان ابن سعود في أول عهده يدير نفسه النظام السياسي الذي أقامه في نجد ويعالج جميع شؤون البلاد مباشرة، مقتصراً بادئ الأمر في حكم البلاد على الإفادة من تجارب أبيه، ثم الإعتماد على مجموعة من المستشارين السياسيين، من ذوي الخبرة والإطلاع العام على السياسة الدولية وسبر أغوارها، والعمل في مسلك العلاقات الخارجية.من هنا، تأتي هذه الدراسة التي تحاول في فصولها الموثقة تسليط الضوء على دور المستشارين العرب في قيام المملكة العربية السعودية وتطور سياستها الخارجية خلال الحكم الملك "عبد العزيز" "ابن سعود" (1915- 1953) بقدر توفر المعلومات الخاصة بموضوع البحث، فيما يتعلق بعقد الإتفاقيات وإجراء المفاوضات، والأمور الأخرى ذات الصلة بالتمثيل الدبلوماسي للمملكة العربية السعودية مع البلدان العربية والإسلامية، فضلاً عن الدول الأوروبية، على الأخذ بعين الإعتبار الجوانب الأساسية في توجهات تلك السياسة والظروف التي عاشت في ظل أحداثها، وإنعكاساتها على أنشطة تلك الشخصيات في مجال العمل الدبلوماسي والسياسة الخارجية السعودية، وكيفية تعاملها مع الأحداث المتلاحقة والتطورات السياسية التي رافقت قيام الدولة السعودية وأثّرت إلى حد ما في مسار سياستها الخارجية.