من المألوف أن يُشار إلى القرن الأول الميلادي من حيث انتشار المسيحية، بأنه عصر رسل المسيح أو تلاميذه الذين كان لهم دور كبير مباشر في نشر المسيحية. وفي هذا الدور كان بيت المقدس المركز الأوّل للمسيحية.ولم يمض وقت قصير حتى كانت أنطاكية قد أصبحت أحد المراكز الرئيسية للكنيسة المسيحية، ومن المرجّح أن القديس بطرس هو الذي أسّس الكنيسة في...
قراءة الكل
من المألوف أن يُشار إلى القرن الأول الميلادي من حيث انتشار المسيحية، بأنه عصر رسل المسيح أو تلاميذه الذين كان لهم دور كبير مباشر في نشر المسيحية. وفي هذا الدور كان بيت المقدس المركز الأوّل للمسيحية.ولم يمض وقت قصير حتى كانت أنطاكية قد أصبحت أحد المراكز الرئيسية للكنيسة المسيحية، ومن المرجّح أن القديس بطرس هو الذي أسّس الكنيسة في هذه المدينة المهمة التي كانت العاصمة الإدارية لبلاد الشام.وفي هذا الوقت وصلت المسيحية دمشق ومنها انتقلت إلى بلاد العرب القريبة، ولعلّ الذي قصده مؤرخ المسيحية من بلاد العرب هنا حوران وجهات أخرى وصولاً إلى البتراء وتيماء.وقد حفظت الرواية أن أوّل من بشر بالمسيحية في (بيت أرامايي) كان مار ماري الذي قدم من الرُها وجمع حوله فئة من الأتباع التي عملت على نشر المسيحية في الأجزاء الغربية من الإمبراطورية الساسانية.وقد انتشرت المسيحية بين البدو، ويعود ذلك إلى الرهابن والنسّاك الذين عملوا بين هذه الفئات المتنقلة. ومن الرُها انطلق التبشير بالمسيحية في أرض الرافدين، وكانت اللهجة الرهاوية الآرامية (السريانية) قد أصبحت وسيلة أدبية لنشر المسيحية بين الناطقين باللغات السامية بما في ذلك العرب.قد يكون التحدث عن انتشار المسيحية في مصر وأرض الرافدين وبلاد الشام فيه شيء من الدقة. لكن فيما يتعلّق بانتشار المسيحية في بلاد العرب، أي في الجزيرة بالذات، فالذي نملكه لا يعدو كونه نتفاً من المعلومات المغلّفة بكثير من القصص أوّلاً، ثم بالتفسير الذي أدخله الكتّاب العرب فيما بعد على ما حسبوا أنهم اكتشفوا وجوده.انطلاقاً من هنا جاءت هذه المحاولة والتي تهدف إلى إماطة اللثام عن بعض تلك الروايات، لا سيما ذات العلاقة المتينة بالمسيحية في بلاد الرافدين وبلاد الشام والجزيرة العربية. وهكذا فقد تمّ تقسيم مادتها على ثلاثة محاور: الأول تحدث عن المسيحية في العراق، وقيام مملكة الحيرة وما قدّمته من مساندة للكنيسة المسيحية الشرقية، والثاني أرخ لدخول المسيحية في بلاد الشام ولقيام مملكة الغساسنة وما قدمته من خدمات في تعضيد الكنيسة السريانية اليعقوبية (الأرثوذكسية)، أما المحور الثالث فتعقب المسيحية في مكّة والمسيحية في نجران، وما جرى من هذين الموقعين من أحداث حتى ظهور الإسلام.