التاريخ مرآة، تنعكس عليها حركات الشعوب السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، بقدر ما لها من إشعاع وقوة وتراث عريق أصيل.وليس التاريخ مرآة لشعوب وحسب، وإنما هو محكمة عادلة عليا وقاسية بنفس الوقت لا ترحم بقراراتها وأحكامها، لا السلطة إزاء الشعب، ولا الشعب تجاه السلطة.وهذا الكتاب، الذي بين يديك أيها القارئ، ما هو إلا مرآة صافية، عكست ...
قراءة الكل
التاريخ مرآة، تنعكس عليها حركات الشعوب السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، بقدر ما لها من إشعاع وقوة وتراث عريق أصيل.وليس التاريخ مرآة لشعوب وحسب، وإنما هو محكمة عادلة عليا وقاسية بنفس الوقت لا ترحم بقراراتها وأحكامها، لا السلطة إزاء الشعب، ولا الشعب تجاه السلطة.وهذا الكتاب، الذي بين يديك أيها القارئ، ما هو إلا مرآة صافية، عكست أحوال مسيحي العراق في العهد الأموي (41-132هـ/656-750م). ومحكمة عادلة صادقة بقراراتها، التي وضعتها بين دفتيه بحق السلطة تجاه المواطنين، وبحق المواطنين تجاه السلطة. وبهذا يكون مساهمة متواضعة في بناء المكتبة الخاصة بالتراث المسيحي في شرقنا العربي.وبالعودة لمادة الكتاب نجده يتكون من أربعة أبواب: الباب الأول: وعنوانه المقدمات، تناول بعد التمهيد التاريخي، حركة تنصير العرب، ومن ثم التبشير المسيحي في الشرق العربي (العراق)، وما صاحبه من أحداث ومواقف، ثم عرج إلى أحوال الكنيسة المشرقية في العهد الأموي، إذ شرح الإدارة الكنسية بأشخاصها ومراتبها، إضافة إلى ما بين في موقع المسيحيين من الإدارة المدنية (الخلافة وحاشيتها)، ومكانتهم في المجتمع الإسلامي الجديد، وما طرأ عليهم من تقلبات الزمن وأحداث الرجال.أما الباب الثاني: والذي وضع تحت عنوان "العلاقات بين المسيحية والإسلام في العهد الأموي"، فقد جاء في خمسة فصول: تناول الفصل الأول، العلاقات الإسلامية المسيحية قبل العهد الأموي، أي في عهد الرسول محمد، والخلفاء الراشدين (أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب)، وبين عمق التسامح، الذي كان ينعم به المسيحيون في ظل فجر الإسلام، مع الترابط الاجتماعي والتبادل الفكري، وحرية العقيدة، والممارسة لها وبها خلاف نصف قرن من الزمان تقريباً (612-661م).وتناولنا الفصل الثاني العلاقات الإسلامية المسيحية في العهد الأموي، وشرح مكانة المسيحيين في الدولة الجديدة على مدى قرن من الزمان (661-750م).أما في الفصل الثالث، فقد تناول موقف الأمويين من مسيحيي العراق بصورة خاصة، وبالأخص في الفصل الرابع، الذي شرح علاقة الأمويين بمسيحيي العراق من علماء وشعراء، وبين فيهما التعامل الودي، الذي كان المسيحيون العراقيون يلقونه في البلاط الأموي ودار الولاية، أمثال الأخطل التغلبي الشاعر، وحنين الحيري المغني.ثم بين الفصل الخامس موقف المسيحيين من الدولة الأموية ومعارضيها، الذي اتسم بطابع الولاء للخليفة الأموي ومساندة القبائل العربية المسيحية لسياسة الدولة العليا ضد معارضيها، من الخوارج والطامعين بالسلطة، مما شدّ أواصر العلاقة بين الخلفاء والولاة والرؤساء الروحانيين في الدولة الأموية، سيما في العراق.أما الباب الثالث، فقد وسم بعنوان "الكنيسة الشرقية، بشقيها النسطوري والأرثوذكسي، في العراق أيام الدولة الأموية"، وقد تكلم أولاً عن المذاهب المسيحية أيامئذ وما رافق ذلك من خلافات عقائدية وطقسية، ثم شرح ثانياً: نبذات قصيرة عن جثالقة المشرق وما جرى بأيامهم من أحداث كنسية ومدنية.وكذلك فعل ثالثاً في مقارنة تكريت لكيما يأتي الباب متكاملاً لأحوال الكنيسة الشرقية في العراق.وجاء الباب الرابع تحت عنوان "الحركة الرهبانية" حيث تكلم أولاً عن هذه الحركة الروحية وما رافقها من جهود وعثرات في مسيرتها بالعراق، إضافة إلى ثانياً النساك والرهبان أيام الدولة الأموية للكنيستين، الشرقية النسطورية والشرقية الأرثوذكسية. فتحدث عن أشهرهم، وختم بثالث في التوزيع الجغرافي للأديرة في العراق اعتباراً من أهمها ومروراً بأديرة الحيرة، ثم منطقة بغداد وانتهاءً بالموصل.