إذا وقع الخلط وتنازل الكاتب عن استقلاليته وحريته، وصار كاتباً ديوانياً ووظيفياً وإعلامياً ليضمن لنفسه مكاناً في الحاشية، وقع في الخطأ القاتل، إن قبوله لموقع في الحكم يجب أن يظل مشروطاً بالاتفاق بين رؤيته وحلمه وبين ما لدى النظام السياسي من رؤى وتطلعات، وشرط الاتفاق وقاعدته محصورة في ضمانات الحرية والديمقراطية وكرامة الإنسان، وإل...
قراءة الكل
إذا وقع الخلط وتنازل الكاتب عن استقلاليته وحريته، وصار كاتباً ديوانياً ووظيفياً وإعلامياً ليضمن لنفسه مكاناً في الحاشية، وقع في الخطأ القاتل، إن قبوله لموقع في الحكم يجب أن يظل مشروطاً بالاتفاق بين رؤيته وحلمه وبين ما لدى النظام السياسي من رؤى وتطلعات، وشرط الاتفاق وقاعدته محصورة في ضمانات الحرية والديمقراطية وكرامة الإنسان، وإلا صار موقعه في حوار الثقافة والسلطة بعيداً عن موقع الشريط لصالح موقع العبد من سيده...إننا نتاج بيئاتنا وثقافتنا في إطار عام، لكننا نتاج وعي آخر داخلي يستحكم فينا بفعل آبائنا وبفعل التعليم، والرفاق، والسفر، والحب.. ولحظات الانكسار والبهجة والموت والغياب والشجاعة والخوف، ورؤى العتمة وطلوع النهار.. وأنا مصر على مراوغة الكلام حتى لا أوغل في الحديث عن المسكوت عنه، لكن المثقف الجذري قادر على أن يرى الأمر بعيني زرقاء اليمامة، وأن يتذكر الكرز الذي حدثنا عنه زكريا تامر، وأن يظل وفياً للحرية والخبز والكتابة، حتى لا تتحول السلطة، بأشكالها كلها، إلى استبداد مقنع أو ظاهر يسلب الناس فرحهم وإبداعهم باسم "المصلحة" والحرص على ثوابت هذا المجتمع أو ذاك..إن المثقفين العرب أمام أربعة أبواب: باب الحلم على سعته وبهائه وحريته واستشرافه، وباب السلطان على محاذيره وجسوره الخشبية أو الذهبية أو بطانته وسوطه وسجنه وواقعيته، وباب الشعب بتطلعاته وقلقه وصبره وجوعه وحيرته، وباب الله العلي العظيم بيقينه وصوفيته وطمأنينته واستبشاره، ومن هنا يقع القلق في نفوس المبدعين، لأن حرية الحركة في المجتمعات العربية محدودة، ورغيف الخبز والكرامة معلق على سائر هذه الأبواب، لكن الجهد في الوصول إليه متفاوت بين باب وآخر...