كانت تلك المرة الأولى، أو الثانية ربما، التي يقابل مبارك هذا الرجل بعد مضي سنوات، وعلى الرغم من أنه لا يملك ذاكرة بصرية، فقد تذكر عينيه الذئبية، كانت لها بصمة عصية على المحو في ذاكرته، حاول أن يسرق نظرة أخرى لوجهه، أراد أن يتأكد أن الرجل هو ذاته الذي دفع عجلة الذكريات للدورات، رفع رأسه لينظر له في الجهة المقابلة من المحل، حافت م...
قراءة الكل
كانت تلك المرة الأولى، أو الثانية ربما، التي يقابل مبارك هذا الرجل بعد مضي سنوات، وعلى الرغم من أنه لا يملك ذاكرة بصرية، فقد تذكر عينيه الذئبية، كانت لها بصمة عصية على المحو في ذاكرته، حاول أن يسرق نظرة أخرى لوجهه، أراد أن يتأكد أن الرجل هو ذاته الذي دفع عجلة الذكريات للدورات، رفع رأسه لينظر له في الجهة المقابلة من المحل، حافت من الرجل الذئبي التفاتة، وتلاقت عيناه الذئبيتان مع عيني مبارك مرة أخرى، مثلما حصل لحظة الدخول، تأكد مبارك أنه ذات الرجل الذي سافر من الرياض إلى الشرقية في رحلته الأولى في حوض الجمس النهكمية: ادع بسلامة فيصل... تذكر مبارك صوت الرجل الذئبي يجلده بتلك الجملة، لم تكن جملة عصية على الفهم على كل حال، إذ كان معظم العُتَقَاء يدعون للملك فيصل، لكنه استعاد نبرة صوته الغاضبة، خرجت مع كتلة جهد آتية من الحلق، لم يعرف لماذا قبل ذلك، تذكر أنه كان صامتاً طيلة النصف الأول من الرحلة، وكان الرجل الذئبي جالساً في حوض "الجمس" خلف السائق، ومتقاطعاً مع مبارك، يجول بعينيه في وجوه الركاب تارةً، وفي السماء التي بدت مثل سقف خيمة بيضاء مرتخية من كثافة الغيوم تارة أخرى، كان يتفنن في توجيه النظرات وتغرس في الوجوه مثل قصاص أثر يبحث عن دليل، ولم يعبأ بتلك النظرات، ذلك الرجل النحيل الذي كان يجلس أمام الرجل الذئبي عن يمين مبارك كان منكفئاً على نفسه...