ممّا لا شكّ فيه أنّ الجهاد هو تكليف إلهي، كان ولا زال له الأثر الكبير في حفظ الدين على مرِّ التاريخ من الانحراف والضلال؛ وذلك لأنّ في مقدّمة موارد ومسوّغات الجهاد يأتي الدفاع عن الدِّين وبيضة الإسلام حال تعرضهما للخطر، سواء من قبل الكفّار أم ممّن ارتدّ عن الدِّين.وهذا المورد من الجهاد يمثل حقّاً من حقوق الإنسانيّة، فإقامة الدِّي...
قراءة الكل
ممّا لا شكّ فيه أنّ الجهاد هو تكليف إلهي، كان ولا زال له الأثر الكبير في حفظ الدين على مرِّ التاريخ من الانحراف والضلال؛ وذلك لأنّ في مقدّمة موارد ومسوّغات الجهاد يأتي الدفاع عن الدِّين وبيضة الإسلام حال تعرضهما للخطر، سواء من قبل الكفّار أم ممّن ارتدّ عن الدِّين.وهذا المورد من الجهاد يمثل حقّاً من حقوق الإنسانيّة، فإقامة الدِّين والمحافظة عليه تعتبر من أهمّ الحقوق الإنسانيّة المشروعة كما قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ.. ) ، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ.. )، فسمّى الجهاد والقتال الذي يُدعى إليه المؤمنون مُحيياً لهم، سواء كان الدفاع عن المسلمين، أم عن بيضة الإسلام، أم كان قتالاً ابتدائيّاً، وكلُّ ذلك هو في الحقيقة دفاع عن حقِّ الإنسانيّة في حياتها، ففي الشرك بالله سبحانه هلاك الإنسانيّة وموت الفطرة، وفي القتال وهو الدفاع عن حقّها إعادة لحياتها وإحيائها بعد الموت.وهذا ما يفسّر اهتمام مصادر التشريع الإسلامي - القرآن والسنَّة - بموضوع الجهاد حيث أولته عناية كبيرة، فالجهاد موضوع حيوي مهم، وتمتد جذوره في أعماق التاريخ والحضارات الإنسانيّة.لقد برز الجهاد كنتيجة حتمية رافقت مسيرة تبليغ رسالة الإسلام ومنذ انطلاقتها الأولى، حيث لاقى هذا الدِّين الجديد مواجهة شرسة من قبل مشركي قريش في مكّة، التي كانت تتمتّع بموقع استراتيجي مهم بفضل وجود الكعبة فيها ممّا أكسب أهلها نفوذاً وسيطرة واسعة، بالإضافة إلى الإمكانات المادّية التي كانوا يتمتّعون بها من خلال تجارتهم في رحلتي الشتاء والصيف، كما بيّنها القرآن الكريم.وهذا المجهود (موسوعة الجهاد في القرآن والسنّة) إنّما هو خطوة جاءت لتعيد شيئاً ممّا تستحقّه فريضة الجهاد التي يسعى البعض لتغييبها، وكأنّها نُسِختْ فلم تعد واجبة، أو أنّ الأُمّة في غنىً عنها وليست بحاجة إليها، بالإضافة إلى أنّ هناك مَن يحاول حرف مفهومها ومعانيها وأهدافها الجليلة عمّا أراد لها الله سبحانه في كتابه ومن خلال خاتم رسله محمّد (ص)، وآل بيته المعصومين (ع).والكتاب محاولة لرفد المكتبة الإسلاميّة بمعظم ما ورد عن الجهاد في القرآن والسنّة، وهنا لابدّ من الإشارة إلى ما يلي:1- سعى المؤلّف الشيخ باسم الأنصاري في البداية إلى تتبّع كلّ ما ورد عن الجهاد في الآيات القرآنيّة الكريمة، سواء بالتصريح أم بالكناية، وهكذا في مصادر السنّة الشريفة، ممّا جاء على لسان الرسول والمعصومين (ع)، وقد أفرد الجزء الأوّل من الموسوعة لموضوع الجهاد في القرآن الكريم، حيث كان منهجه كالتالي:أ- عرض الآيات التي تتناول موضوع الجهاد.ب - وضع تفسير وجيز للآيات الكريمة؛ للإحاطة بما ورد فيها عموماً، والوقوف على المعنى المقصود بموضوع الجهاد المذكور في تلك الآيات.جـ - وضع معانٍ ميسّرة لما صعُب من المفردات الواردة في الآيات الكريمة.د- ذكر التأمّلات الجهاديّة التي تضمّنتها الآيات الكريمة مع الإشارة إلى الدليل عليها من الآيات ذاتها.2- الأخذ بنظر الاعتبار - خلال تدوين هذه الموسوعة - مراعاة مختلف المستويات العلميّة والثقافيّة للقرّاء؛ لتتّسع دائرة المطالعة والاستفادة منها من قِبل شرائح واسعة في المجتمع.والكتاب هو بمثابة محاولة لرفد المكتبة الإسلاميّة وإغنائها بالقدر الممكن ممّا ورد في موضوع الجهاد، عسى أن تتبعها محاولات أخرى من الإخوة الكتّاب والمحقّقين والمفسِّرين؛ كي يتمّ إشباع هذا الموضوع الحيوي المهم.