لم يكن البحث في عصمة الملائكة عليهم السلام العناية الكافية، ولم يحظ بالإهتمام اللائق به، بمثل ما لقي وحظي به مثلاً البحث في عصمة الأنبياء عليهم السلام من عناية وإهتمام، وربما يكون منشأ هذا هو ما اعتقده البعض أن عصمة الملائكة قد تقل في الأهمية بالنسبة للبشر عن عصمة الأنبياء، ومن ثم رأى هؤلاء أن البحث فيها يأتي في مرتبة النوافل ول...
قراءة الكل
لم يكن البحث في عصمة الملائكة عليهم السلام العناية الكافية، ولم يحظ بالإهتمام اللائق به، بمثل ما لقي وحظي به مثلاً البحث في عصمة الأنبياء عليهم السلام من عناية وإهتمام، وربما يكون منشأ هذا هو ما اعتقده البعض أن عصمة الملائكة قد تقل في الأهمية بالنسبة للبشر عن عصمة الأنبياء، ومن ثم رأى هؤلاء أن البحث فيها يأتي في مرتبة النوافل ولا يرقى إلى مرتبة الضرورات. والحقيقة أن عصمة الملائكة ينبغي أن تكون على نفسي القدر من الأهمية مثلها في ذلك مثل عصمة الأنبياء، فهما يحتلان، أي الملائكة والانبياء - منزلة واحدة في عقيدة المسلم.ويرى القاضي عياض أن الأسباب الداعية للكلام في عصمة الملائكة، والفوائد المترتبة عليها هي نفس الأسباب الداعية إلى الكلام في عصمة الانبياء، ونفس الفوائد المترتبة بها، فإنما هم وسائط بين الله ورسوله، ونسبتهم للرسل كنسبة الرسل لأممهم، فلو لو يكونوا معصومين لم يحصل الوثوق للرسل بما بلغوه ويسري ذلك للبشر، فلا فرق إذن بين الأنبياء والملائكة في هذا الشأن.ومن هذه الفوائد وتلك الأسباب أن من يجهل ما يجب للملائكة عليهم السلام أو يجوز عليهم ولا يعرف صور أحكامهم، لا يأمن أن يعتقد في بعضها خلاف ما هي عليه، ولا ينزههم عما يجب ان يضاف إليهم، فيهلك من حيث لا يدري ويسقط في هوة الدرك الأسفل من النار؟ إذ ظنّ الباطل بهم، وإعتقاد ما لا يجوز عليهم يحلّ بصاحبه دار البوار.وجاء في "البحر المحيط" لأبي حيان أن عصمة الملائكة من المعاصي، وتعدّ من القواعد الشرعية والعقائد الإسلامية، وأنها مسألة من المسائل الخاصة بأصول الدين، ومن أجل ذلك فقد عني علماء الكلام إلى حدّ ما في البحث في عصمة الملائكة، حيث أفرد لها كثير منهم مبحثاً خاصاً يأتي غالباً بعد البحث في عصمة الأنبياء، ولكنهم لم يعنوا بالبحث فيها يمثل عنايتهم بالبحث في عصمة الأنبياء، حيث عرضوا لها بإيجاز وإقتضاب شديدين، رغم توسع الكثير منهم في الحديث عن عصمة الأنبياء.من هنا ياتي إهتمام الباحث في محاولة للمساهمة في سدّ ثغرة في هذا الموضوع، من خلال دراسته هذه والتي جاءت تحت عنوان "شبهات حول عصمة الملائكة والرد عليها" وجاء ذلك ضمن مقدمة وتمهيد وأربعة فصول، دار الحديث في المقدمة حول ضرورة البحث في هذا الموضوع من وجه شرعي، وجاء التمهيد بمثابة تعريف بالملائكة والإيمان بهم، وبيان صفاتهم ووظائفهم.وأما الفصول الأربعة، فقد جاءت حول الشبهات، وهي على التوالي: الشبهة الأول (الفصل الأول): حيث رأى النافون لهذه العصمة أن الملائكة قد اعترضوا على الله سبحانه وتعالى في سؤالهم له: (قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)، بالإضافة إلى ما يشير إليه هذا القول من غيبة للخليفة وتزكية وإعتماد على الظن، أما الشبهة الثاني (الفصل الثاني): حيث ذهب هؤلاء النافون إلى أن إبليس كان من الملائكة، ثم أنه عصى الله تعالى بعد ذلك وكفر، وذلك يدل على صدور المعصية من خمس الملائكة، الشبهة الثالثة (الفصل الثالث): حين تمسكوا بما أورده القصامى من إفتراءات في حق هارون وماروت وهما من الملائكة، فاستدلوا بها على جواز صدور الذنب منهم، وأما الفصل الرابع جاء بمثابة ردّ: على هذه الشبهات، حيث بيّن فيه الباحث استدلالات جمهور العلماء على عصمة الملائكة.