نبذة النيل والفرات:صاحب هذه الرحلة المكية هو عبد الله بن حسين الملاّ السويدي ولد عبد الله سنة 1104هـ/ 1692 في الكرخ ببغداد، توفي أبوه وهو لم يزل في الخامسة من عمره رعاه خاله أحمد بن سويد الصوفي الذي كان على درجة من الثقافة في ذلك العصر، وقد ترك أثراً حسناً على هذا الطفل الذي مضى في تلقي العلوم الدينية والدنيوية فبرع في ذلك ونبغ،...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:صاحب هذه الرحلة المكية هو عبد الله بن حسين الملاّ السويدي ولد عبد الله سنة 1104هـ/ 1692 في الكرخ ببغداد، توفي أبوه وهو لم يزل في الخامسة من عمره رعاه خاله أحمد بن سويد الصوفي الذي كان على درجة من الثقافة في ذلك العصر، وقد ترك أثراً حسناً على هذا الطفل الذي مضى في تلقي العلوم الدينية والدنيوية فبرع في ذلك ونبغ، رغم كل الصعوبات التي كانت تعترضه.وقد واصل رحلة دراسة خارج بغداد، حيث غادرها إلى الموصل بهدف "تحصيل علم الحكمة والهيئة"، ولكنه، ما أن يصلها، والتقى بشيوخها، حتى أخذ بإكمال سائر ما درسه من علوم أخرى وهو في بغداد، مثل النحو وعلوم العربية، والعلوم الشرعية والعقلية، كما درس الهينة (الفلك) وتلقى الحديث الشريف على المشايخ، وقراءة القرآن الكريم وتجويده.وعاد بعد ذلك إلى بغداد وقد حصل من العلم ما لم ينله غيره من معاصرية، فطار صيته، واشتهر أمره، ونال في هذه المرحلة من حياته لقبته الشهير (السويديّ) الذي عرف بعد ذلك به، وقد حظي بإهتمام من قبل أحمد باشابن حسن والي بغداد عام (1723- 1747م) وكان من آثار ذلك عدد من القصائد الطوال التي مدح فيها الوالي أحمد باث، وأرخ فيها الأحداث العامة المهمة التي جرت في عهده.شهد السويدي في الفترة التالية من حياته نشاطاً كبيراً في مجال العلم والتعليم، وفي توجيه الحركة الفكرية في بغداد في منتصف القرن الثاني عشر الهجري، وتقلد أرفع المناصب العلمية إذ تولى التدريس في مدرسته جامع الإمام أبي حنيفة النعمان، فكان ثاني من درّس فيها بعد إعادة إفتتاحها في تلك الفترة.توجه الشيخ السويدي إلى الحج سنة 1156هـ/ 1743 حيث قام وأثناء ذلك، وفي طريقه إلى مكة المكرمة، العديد من المدن والقرى، والتقى أثناء ذلك بالكثير من العلماء والأدباء والمشايخ، وهي التي جمع أخبارها في كتابه هذا الذي جاء تحت عنوان "النفحة المسكية في الرحلة المكية".عاد السويدي إلى مدينته بغداد، ليقضي فيها ما تبقى له من العمر دون أن يغادرها إلى أي بلد، وليس معلوماً طبيعة المناصب التي تولاها بعد إستقراره نهائياً في بغداد، وربما كان إنصرافه على الأغلب خلال ذلك إلى التدريس وكتابة بعض الرسائل وبما نظم الشعر أيضاً.نال السويدي تقرير معاصريه وكان أن ذكر العلماء فله القرح المعلّى، وبعد عمر ناهز السبعين توفي الشيخ الجليل عبد الله السويدي في العام (1174هـ - 1760م) مخلفاً آثاراً علمية كثيرة وأبناء أربعة برزوا مثله في مجالات العلم والمعرفة، ولم تكن شهرتهم أقل من شهرة أبيهم، أما مؤلفاته فقد شملت على علم القراءات والتفسير والحديث واللغة والنحو والأدب والشعر وغيرها من العلوم.هذا ويعدّ كتابه "النفحة المسكية في الرحلة المكية" الذي نقلب صفحاته من المؤلفات المهمة في هذا الباب، فقد احتوى على وصف عدد كبير من المدن والقرى والمحطات التي كانت تقع على الطريق العام المؤدي من بغداد إلى الموصل فحلب ودمشق وصولاً إلى الحرمين الشريفين، أما منهجه فقد تميز بما يلي: 1-ضبط لأسماء الأعلام الجغرافية وبحثه في أسباب تلك التسميات، 2-عنايته بالجغرافية الطبيعية، 3-عنايته بالجغرافية الإقتصادية، 4-عنايته بجغرافية المدن، 5-عنايته بالجغرافية البشرية، 6-إهتمامه بالجوانب الثقافية.ونظراً لأهمية الكتاب فقد تم تحقيقه وكان المنهج في التحقيق كالتالي: 1-مقابلة النسخ الموجودة وإستكمال ما طمس فيها وإثبات ذلك وسائر الإختلافات في الحواشي، 2-التعريف بالمعالم الجغرافية التي مرّ بها المؤلف كما والتعريف بمعظم العلماء والأدباء الذين النقى بهم وبالمتون والشروح والحواشي التي وردت الإشارة إليها في الرحلة، وضبط لأسماء الأعلام، 3-شرح الغامض من اللفظ، وبخاصة المصطلحات الحضارية التي كانت شائعة في عمده، بما يوضح مبهمة، 4-تخريج الآيات والأحاديث، 5-وضع عناوين جانبية.وعلى هذا جاء الكتاب على مستوى قيم يمثل مصدراً هاماً للباحثين في أدب الرحلات، وللمعنيين بالتاريخ العربي الإسلامي: الثقافي، والإجتماعي، والجغرافي أبان القرون الإسلامية المتأخرة.