تضاربت الآراء حول مفهوم التنمية، واختلفت مع اختلاف المنطلقات الفكرية للاقتصاديين الذين لم يميز بعضهم بينها وبين النمو الاقتصادي، على الرغم من أن الاقتصادي "جوزيف شومبيتر" وضع أسساً واضحة لكل من المفهومين في العقد الثاني من هذا القرن. في هذا الوقت قامت الثورة البلشفية في روسيا القيصرية لتعلن عن تجربة جديدة في التطور مغايرة تماماً...
قراءة الكل
تضاربت الآراء حول مفهوم التنمية، واختلفت مع اختلاف المنطلقات الفكرية للاقتصاديين الذين لم يميز بعضهم بينها وبين النمو الاقتصادي، على الرغم من أن الاقتصادي "جوزيف شومبيتر" وضع أسساً واضحة لكل من المفهومين في العقد الثاني من هذا القرن. في هذا الوقت قامت الثورة البلشفية في روسيا القيصرية لتعلن عن تجربة جديدة في التطور مغايرة تماماً لتجارب الدول التي سبقتها، وزامنتها أيضاً، التجربة اليابانية كتجربة رأسمالية، لكن بظروف وطريقة مختلفتين عن الدول الرأسمالية الأخرى. وحققت هاتان التجربتان نجاحاً كثيراً جعل منهما أنموذجاً للعديد من الدول الأخرى التي حصلت على استقلالها السياسي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وتبلور مفهوم التنمية بشكل اكثر وضوحاً في الخمسينات بعد أن بدأ الكثير ممن الدول النامية بمحاولة تغيير واقعة المتخلف بجميع جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، فضلاً عن تغيير المؤسسات المختلفة.في هذا الإطار جاء هذا الكتاب الذي يضم بين طياته دراسة موضوعية مقارنة تدور حول التنمية المستقلة في النصف الأول من العام 1990 هدفها تقويم الإنجاز التنموي المستقل في بعض البلدان النامية، هذا الإنجاز الذي تتصف بكونه عملية مستمرة ومترابطة، وأن تحقيق أي مستوى منه يدل على تقدم معين باتجاه ما سيتم تحقيقه في الفترات اللاحقة، استند الباحث في محاولة التقويمية هذه إلى مؤشرات مختارة ثم ربطها من خلال أوزان محددة اختيرت وفقاً لدراسات دولية وإقليمية ومحلية سابقة، أو مرفقاً لمقاييس عالمية معتمدة في بعض المنظمات الدولية. هذا وقد تم تقسيم البحث إلى خمسة فصول وخاتمة، يبحث الفصل الأول في مفهوم التنمية المستقلة واستراتيجيتها بعد التمييز بين النحو والتنمية، وتحليل مدرسة التبعية كمدرسة نشأت في لب البلدان النامية. أما الفصل الثاني فقد ضمنه متطلبات ومؤشرات التنمية المستقلة التي ستعتمد للمقارنة بين عدد من البلدان المختارة.وقد قسمت هذه المؤشرات إلى ثلاث مجموعات رئيسية هي: مؤشرات الإمكانية التي تتصل بالإمكانات المتاحة في كل بلد، ومؤشرات التأهيل التي تتعلق بالسياسات الاقتصادية المتبعة في كل بلد، ومؤشرات الاستقلال التي توضح النتائج المتحققة من استغلال الإمكانات المتاحة في مجال تعزيز القدرة على اتخاذ القرار المستقل اقتصاديا، وقد تمت دراسة كل مجموعة من هذه المؤشرات في فصل من الفصول الثلاثة الأخرى من البحث. ثم اختيار أربعة بلدان مختلفة من حيث الحجم وطبيعة التوجهات الأساسية فيها، شملت كل من العراق ومصر باعتبارهما من الأقطار العربية التي حاولت تحقيق الاستقلالية باتباع أسلوب عربي للاشتراكية حيناً، وانتقالها إلى أسلوب ونظام السوق الحر حيناً آخر. أما البلدان الآخران، فهما، الصين الاشتراكية في جانب، وكوريا الجنوبية التي تبنت النموذج الرأسمالي في جانب آخر، كممثلين لنمطين اقتصاديين متناقضين تماماً، أحدهما اشتراكي المنحى قطعاً، وثانيهما رأسمالي الاتجاه أساساً.