كان ديغول يقول في لندن "جزمة هتلر وسباط موسوليني". الانتقال من الحسن الثاني إلى زين العابدين علي هو أيضاً هبوط من أرستقراطية الجريمة إلى الضحالة المفجعة لسوقي آت من إحدى المديريات الفرعية. لا نطعن هنا في البلاد إنما في الأشخاص. كان للحسن رأس، وليس لزين العابدين سوى يدين.(الرئيس بكالوريا ناقص 3)، لا يتميز سوى بردود أفعاله المتعجل...
قراءة الكل
كان ديغول يقول في لندن "جزمة هتلر وسباط موسوليني". الانتقال من الحسن الثاني إلى زين العابدين علي هو أيضاً هبوط من أرستقراطية الجريمة إلى الضحالة المفجعة لسوقي آت من إحدى المديريات الفرعية. لا نطعن هنا في البلاد إنما في الأشخاص. كان للحسن رأس، وليس لزين العابدين سوى يدين.(الرئيس بكالوريا ناقص 3)، لا يتميز سوى بردود أفعاله المتعجلة التي يكتسبها المرء في الثكنات.. إنه شرطي شرس يفرض على أحد أكثر شعوب العالم تحضراً السجن في قفص من الديكتاتورية المتوحشة..بعد ثلاثين عاماً في السلطة "المجاهد الأكبر"، بعد أن وهن للغاية، إلى وضع مزر، وحتى بغيض، كانت تونس الممزقة بين العرفان بالجميل للخدمات الجلى التي قدمها والسخط الذي له ما يسوغه، تتنهد قائلة: "من سيخلصنا من الخرف؟" كان المخلص الجنرال زين العابدين بن علي، تلميذ مدرسة الاستخبارات الأمريكية، خبير القمع البوليسي ووزير الداخلية.. ورئيساً للوزراء.وتم الانقلاب الناعم "ثورة الياسمين".. واستقبلته الأفراح الشعبية، واستعادت تونس فتوتها بعد أن ظلت طويلاً هرمة بالوكالة.ز دامت الفترة السعيدة عامين. وبينما لم يكن بإمكان صناديق الاقتراع إلا أن تصدر أفضل النتائج لصالح الجنرال زين العابدين بن علي.. وبفضل تزوير فاضح أدهش أكثر المراقبين هدوءاً، حصل حزبه على كامل المقاعد. وأعلن أنه تم انتخابه رئيساً للجمهورية ب (99.20%) من الأصوات.. ما يعني أن "في تونس إذن ثمة (0.80%) من ناكري الجميل".ثم ثار القمع البوليسي للإسلاميين.. اعتقال آلاف المشبوهين وموت العشرات تحت التعذيب، سجون طافحة، وملاحقة لعائلات المساجين، ومطاردة حاقدة تستخدم كل الوسائل، حتى الأسوأ منها. كان كل ذلك معروفاً حتى قبل ظهور هذا الكتاب. وبقيت العيون جافة والقلوب خالية من التعاطف..هذا الكتاب ليس هجاءً ولا محرقة! إنه تحقيق مأخوذة معلوماته من المصادر الصحيحة.. الجريمة موجودة، وآثارها الدامية تشكل الخيط الأحمر لهذا الكتاب الرهيب.. الجريمة مستمرة بسبب تواطؤ عالمي تؤدي فيه فرنسا دوراً كبيراً، كما كانت تفعل سابقاً بالعلاقة مع المغرب. "صديقنا الجنرال" حكاية قديمة.. باسم واقعية قصيرة النظر، وبمقتضى اقتصاد يضحي بحرية البشر لمصلحة ليبرالية المؤسسات، يتسامح القادة السياسيون الفرنسيون، يساريين ويمنيين، ويشجعون، بل وحتى يمولون إحدى أشد الديكتاتوريات قذارة. نكرر مع المؤلفين أن الاستبداد والفساد هما المزبلة التي يتكاثر عليها التطرف...إذا كانت الحقيقة غالباً حزينة فهي دوماً ساحرة... بعد هذا الكتاب لن يستطيع أحد عندنا، من رأس الدولة إلى المواطن البسيط، القول: "لم أكن أعرف".