إن كل أسبوع يمر، كل شهر بل كل يوم، يؤتي حصاده فمن المكتشفات العلمية. وبصورة عامة، ليست المكتشفات التي تتحدث عنها الصحف أكثرها جدارة وخصبا وإثارة للدهشة. ذلك أن الصحف لا تبحث إلا عن الصور الأكثر صلاحا لتحريك الإنفعالات والإثارات السهلة. فبينما تسجل صور مأخوذة على القمر أو المريخ وتتراكم الوثائق عن عصور الإنسان الأولى، تحقق في الو...
قراءة الكل
إن كل أسبوع يمر، كل شهر بل كل يوم، يؤتي حصاده فمن المكتشفات العلمية. وبصورة عامة، ليست المكتشفات التي تتحدث عنها الصحف أكثرها جدارة وخصبا وإثارة للدهشة. ذلك أن الصحف لا تبحث إلا عن الصور الأكثر صلاحا لتحريك الإنفعالات والإثارات السهلة. فبينما تسجل صور مأخوذة على القمر أو المريخ وتتراكم الوثائق عن عصور الإنسان الأولى، تحقق في الوقت نفسه مكونات جديدة للنواة الذرية وتحسن زراعة الكرمة والقمح أو التبغ ... ونحن نعلم أن عدد الباحثين الأحياء اليوم يفوق عدد العلماء الذين قضوا منذ بدء العالم. وإنه برغم أن الكثير من هؤلاء الباحثين لا يجد شيئا، فإن الذين يجدون فعلا هم من الكثرة واليمن بحيث تمتد ساحة معارفنا وفق نسق أممي من الرياضيات إلى ما قبل التاريخ ومن علم الفلك إلى علم الإجتماع ومن ميكانيكا السوائل إلى فيزيولوجية الألفاظ الذهنية.أضف إلى ذلك أننا نعلم أن لهذه المكتشفات فعلا مباشرا وسريعا على حياتنا الشخصية واليومية. ونعلم أن العلم التجريبي هو الذي أتاح رقم متوسط العمر من 25 إلى 70 عاما. وإننا نعتمد عليه لتخفيف آلامنا والقضاء على أمراضنا وتقليل عاهاتنا. كما أصبحنا شاعرين بواقع أن هذه المكتشفات نفسها هي التي ترفع مستوانا المعيشي وتحسن نوعية حياتنا وتسمح للإنسان المتوسط بأن يدنو من استعمال خواصه استعمالا ًكليا وذلك عن طريق التكور التقني أي عن طريق توفيق أفضل مع واقع وسائل الإنتاج.وهكذا فإن الفكر البشري يعد كل يوم مكانا متناميا لاستعدادات العلم التجريبي ومداركه من جهة بينما تندمج أفعالنا اليومية من جهة أخرى في وسط تزداد معالمه ارتساما بحسب قواعد التقنية التجريبية.وغاية هذا الكتاب البحث عن أسباب هذا التخلف والمساهمة بنفس الوقت في إيجاد علاج لها.وبصورة أعم، نقول لقد ولد هذا الكتاب من سؤالين بسيطين ومترابطين: كيف حدث أن ورد الفكر العلمي التجريبي متأخرا بهذا القدر إلى هذه الإنسانية العريقة في القدم؟ وكيف حدث أن كان لا يزال على هذا القدر من التشتت والإستهلال؟إن هذين السؤالين يرغمان على التفكير في العوائق المعارضة للفكر التجريبي. ولسوف تساعد معرفتها القارىء في حدود ما تسمح له بإدراك أفضل المساعي الجوهرية للنهج التجريبي، على اكتساب تلك الأفعال الإنعكاسية الجوهرية التي تميز إنسان اليوم.وبالعودة لخطة هذا الكتاب نجدها قد توزعت في ثلاثة أقسام: 1) القسم الأول: الجهل. 2) في القسم الثاني في أسباب هذه الإنعطافات وبصورة أعم في بطء اكتساب الفكر العلمي التجريبي مما يحملنا على بيان المساعي الجوهرية للنهج التجريبي. 3) وأخيرا، القسم الثالث في حدود العلم. أي في الحدود التي يفرضها النهج التجريبي على نفسه في مجموع المعرفة البشرية.